إنّ المُحبَّ لأهل البيت صلوات الله عليهم دائمًا ما يراود مجالسَ ذِكرهم ويلازمها لإحياء أمرهم سواءً كان لحزن وجزع أم لاستبشار وفرح، فيُحيي هذه المناسبات في كل سنة بتشوّقٍ واندفاع وبلا تضجرٍ وتوان، فهو من امتزجت طينته بطينتهم واختلط حبهم في عروقه وشرايينه فهم نورٌ وسراجٌ يضيئون حياته، وملاذٌ يلجأ إليهم عند حاجته فلا شيء يُضاهي وينافس هذه المحبّة والولاية
قال الصادق (ع): رحم الله شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بماء ولايتنا يحزنون لحزننا ويفرحون لفرحنا.
ولشيعةِ أهل البيت عليهم السلام صفاتٌ يتحلّون ويتميزون بها وفيها روايات كثيرة سأذكر بعضًا منها:
عن الإمام الصادق (عليه السلام): شيعتنا من قدّم ما استحسن، وأمسك ما استقبح، وأظهر الجميل، وسارع بالأمر الجليل، رغبة الى رحمة الجليل، فذاك منّا وإلينا ومعنا حيثما كنّا.
{بحار الأنوار ج٦٥ ص١٦٩}
قال الإمام الباقر (عليه السلام): ما شيعتنا إلاّ مَن اتّقى الله وأطاعه، وما كانوا يُعرفون إلاّ بالتواضع والتخشّع، وأداء الأمانة، وكثرة ذكر الله، والصوم والصلاة، والبر بالوالدين، وتعهّد الجيران من الفقراء وذوي المسكنة والغارمين والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكف الألسن عن الناس إلاّ من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء
{تحف العقول ص295}
قال الإمام الصادق (عليه السلام): فإنّما شيعة عليّ مَن عفّ بطنه وفرجه، واشتدّ جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر
{الكافي ج٢ ص٢٣٣}
ولو نُلاحظ في الروايات الشريفة استخدام أسلوب الحصر “إنما شيعة علي”، “ما شيعتنا إلّا…” ليبيّن أن المُنتسِب لشيعة أهل البيت لابدّ أن يكون متسِمًا بهذه السِمات، فما لم يكن كذلك فهو ينتحلُ التشيع وينسبه لنفسه لِعدم انقيادِهِ لأوامرهم
إذ ذكرت جميع الروايات المتقدِّمة خصوص طاعة الله وامتثال أوامره واجتناب نواهيه:
“…وسارع بالأمر الجليل، رغبة الى رحمة الجليل…”
“ما شيعتنا إلاّ مَن اتّقى الله وأطاعه…”
“..وعمل لخالقه، ورجا ثوابه…”
إذًا يجب أن تقترن هذه الولاية بطاعة الله جلّ وعلا والاستجابة له فلا يكفي أن يكون المؤمن مواليًا ومُحبًا لهم بدون أن يُذعِنُ إليهم ويحذو حذوَهم، ويعمل بالسنن فضلًا عن فرائض الدين
وقد عمّت اليوم ظواهر تنافي الدين منها: انتشار التبرّج والتزين وقلّة العفّة والحياء وغيرها من الأمور التي تحصل بين أوساط الشيعة مما يجعل المؤمن يشعر بالغمّ والخزي لرؤيتها بيننا…
فقد ورد عن الإمام الحسن (ع) أنه قال لرجل ادّعى أنه شيعي: “يا عبد الله إن كنت في أوامرنا وزواجرنا مطيعاً فقد صدقت وإن كنت بخلاف ذلك فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبة شريفة لست من أهلها، لا تقل أنا من شيعتكم. ولكن قل: أنا من مواليكم ومحبيكم ومعادي أعدائكم وأنت في خير وإلى خير
{بحار الأنوار ج٦٥ ص١٥٦}
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: “لا تذهب بكم المذاهب فوالله ما شيعتنا إلا من أطاع الله عزّ وجلّ”.
{الكافي ج٢ ص ٧٣}
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): “إنّ شيعتنا مَن شيّعنا، واتّبع آثارنا واقتدى بأعمالنا”.
{التفسير المنسوب للإمام العسكري ص٣٠٧}
عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال لي: “يا جابر أيكتفي من ينتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت، فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه وما كانوا يعرفون يا جابر إلا بالتواضع والتخشع والأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكف الألسن عن الناس إلا من خير، وكانوا امناء عشائرهم في الأشياء.
قال جابر: فقلت: يا ابن رسول الله ما نعرف اليوم أحدا بهذه الصفة، فقال: يا جابر لا تذهبن بك المذاهب حسب الرجل أن يقول: أحب عليا وأتولاه ثم لا يكون مع ذلك فعالا؟
فلو قال: إني أحب رسول الله فرسول الله (صلى الله عليه وآله) خير من علي (عليه السلام) ثم لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنته ما نفعه حبه إياه شيئا، فاتقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحب العباد إلى الله عز وجل [وأكرمهم عليه] أتقاهم وأعملهم بطاعته، يا جابر والله ما يتقرب إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة وما معنا براءة من
النار ولا على الله لأحد من حجة، من كان لله مطيعا فهو لنا ولي ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو، وما تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع”.
{الكافي ج٢ ص٧٤}
وختامًا أقول…
كما أنّ صحة الأعمال وقبولها مشروطةٌ بولاية أهل البيت عليهم السلام، فَرِضاهم على شيعتهم ومُحبيهم مشروطةٌ بطاعة الله سبحانه وتعالى واجتناب معاصيه، وبما أننا منسوبون كشيعة لأهل البيت (ع) فيجبُ أن نسعى لنكونَ زينةً ودعاةً لهم بأفعالنا وسلوكنا قبل ألسنتا… لا أن نكون مثلبةً وخزيًا لهم بقلّة أخلاقنا وورعنا.
عن الإمام العسكري (ع) أنه قال لشيعته: “اتقوا الله وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً جرّوا إلينا كل مودة وادفعوا عنّا كل قبيح”.
أسأل الله الثبات على دينه والتمسّك بسنّة نبيّه وآله
والحمد لله ربّ العالمين
أم الحمزة
٢٦ جمادى الثاني ١٤٤٤
2٠ يناير ٢٠٢٣