هذا الحكم لا يصلح لزماننا!! II بقلم: الشَّيخ حسين بن يوسف طارش

بواسطة Admin
0 تعليق 486 مشاهدة

قد تجد هذه العبارة وأمثالها تصدر من أناس قد غفلوا عما يلزم من الاعتقاد بها، ولربما لو علموا بلازمها لما صرحوا أو اعتقدوا بمضمونها.

والذي يلزم من مثل هذه العبارة هو الكفر بالله تعالى نعوذ منه من ذلك، وذلك للزوم إسناد النقص للباري سبحانه وتعالى، وهذا الموضوع وإن كان يحتاج إلى بسط في الكلام وسعة في البيان، إلا أن ما يهمني هو تسليط الضوء على لازم هذا الكلام، ما يبعث التمهل والتوقف قبل إصدار مثل هذه الاحكام، وبيان هذه الملازمة بمقدمات:

الأولى: الله سبحانه وتعالى عالمٌ بكل شيء، وعلمه مطلقٌ لا يحدُّه حدٌ، فهو الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء عالمٌ بما كان وما يكون وما لم يكن، وهذا مما لا خلاف فيه.

الثانية: ومن صفاته سبحانه وتعالى (الحكيم)، قال تعالى: {وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}، والحكيم هو الذي يتقن الأمر ويحسنه، فيضع الأشياء في مواضعها، فخلق الله سبحانه متقن لا تشوبه شائبة {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ}، وكذا حكمه سبحانه وتعالى متقنٌ جاء في موضعه لتحقيق الغاية منه.

الثالثة: ختم الله الشرائع السماوية بالشريعة الإسلامية، وختم الرسالة والنبوة بنبينا محمد ﷺ، قال عزَّ من قائل: {وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ}، وقال سبحانه: {ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَ لكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ وَ كانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيماً}، فلا دين غير الاسلام، ولا نبوة بعد نبينا محمد ﷺ، فما أقره الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه محمد ﷺ لا ينسخ ولا يبدل،ورد عن الرسول ﷺ: (أيها الناس إنه لا نبي بعدي ولا سنة بعد سنتي، فمن ادعى بعد ذلك فدعواه وبدعته في النار فاقتلوه ومن اتبعه فإنه في النار)، وعنه مولانا الصادق (ع): (حلال محمد حلال أبدًا إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبدًا إلى يوم القيامة، لا يكون غيره ولا يجيء غيره).

فبمقتضى علم الله سبحانه وتعالى حكمته، يكون ما جعله من أصل الأحكام والتشريعات في الإسلام وختم بها الشرائع، صالحًا لكل زمان بعده؛ لأن الله عالمٌ بكل شيء، فهو يعلم بما سيكون، وبما في الاحكام من مصلحة، فلو علم بأن مافي الشريعة الإسلامية لا يكون صالحًا بعد فترة من الزمن، فلن يختم بها الشرائع ويحرم ترك ما فيها، لحكمته سبحانه فهو اتقن الشريعة وجعلها في موضعها، فختم بها الأديان والشرائع.

فالقائل بعدم صلاحية حكم من الأحكام لزماننا هذا، يقدح في أمرين:
إما في علم الله سبحانه وتعالى لأنه جعل حكمًا لزماننا وهو لا يصلح لزماننا، والله تعالى لا يعلم بذلك.
وإما في حكمة الله تعالى فهو عالمٌ بعدم صلاحية هذا الحكم لزماننا لكنه لم يجعل هذا الحكم في موضعه، فجعله في زمانٍ لا يصلح له، وعدم العلم والحكمة نقصٌ والعياذ بالله من نسبة ذلك له سبحانه تعالى علوًا كبيرا.

والذي يجب علينا هو التسليم لأمر الله عزَّ وجلَّ العليم الحكيم، فهو العالم بما فيه صلاحنا وفسادنا، ولا يفعل إلا ما فيه صلاحٌ ورحمة لنا، وكيف لا نسلِّم لمن كان كذلك؟! عن الشيخ الصدوق بإسناده عن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه قال سألت الصادق جعفر بن محمد (ع) فقلت له: لم خلق الله الخلق؟ فقال (عليه السلام): (… خلقهم لينفعهم ويوصلهم إلى نعيم الأبد).

كتبه حسين بن يوسف طارش، بأرض مكة المكرَّمة، لثمانية عشر يومًا خلون من رجب المرجب لعام ١٤٤٤ للهجرة المباركة.

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.