يُقرِنُ الحداثيون والعلمانيون والليبراليون (الأصوليةَ) بالسلفية والتطرف والتشدُّد الديني منه على وجه الخصوص، والإسلامي على وجه أخص، وبطبيعة الحال أنَّهم يضعونها في قبال الحداثة والعلمانية والليبرالية، وبالتالي فالأصولي مرفوضٌ لا لكونه معارضًا لما يطرحون من نظريات فقط، بل هو كذلك لاقترانه بالسلفية والتطرف، وفي نهاية المطاف فهو حاضنة للإرهاب والإقصاء.
أمَّا الأصولية (Fundamentalism) ) فهي: “اصطلاحٌ سياسيٌّ فكري ٌّمستحدثٌ يُشيرُ إلى نظرة متكاملة للحياة بكافة جوانبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية نابعة عن قناعة متأصلة نابعة عن إيمانٍ بفكرةٍ أو منظومة قناعات، تكون في الغالب تصورًا دينيًا أو عقيدةٍ دينية. أن الكلمة جاءت من عنوان سلسلة نشرات أو كتيبات سميت الأصول أو الأساسيات والتي ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة 1910 ـ 1915 م واستُخدم فيها مصطلح الأصول ليعني عناصر العقيدة التقليدية، أي النص كوحي وسلطة، وألوهية المسيح ومعجزة إنجاب مريم العذراء وغيرها من الثوابت التي يراها الأصوليون المسيحيون اليوم” (موسوعة Wikipedia).
وبمراجعة ما كُتِبَ في هذا الحقل نقف على أنَّ لرفض العلمانية والحداثة (للأصولية الإسلامية تحديدًا) أبعاد استراتيجية من أهمها السمة التدقيقية التي يتميز بها (الأصولي) في خصوص حدِّ المفاهيم بشكل واضح، وهذا ما تعتبره الحداثة عائقًا أمام حركتها الداعية إلى الإمكان المطلق على أساس الديناميكية المطلقة في مطلق الوجود، ومقتضى ذلك رفضهم لأي طرح شمولي ثابت في أصوله، وخصوصًا إذا ما كان منشأه إسلامي، وذلك بعد فراغهم من مواجهة المسيحية في الغرب.
ليست المشكلة كما أراها مع الحداثيين أو العلمانيين أو غيرهم، ولكنَّها مع الحالة الثقافية التي أحدثوها في وسط المجتمع المسلم مستغلين فراغات كبيرة تقف وراءها مجموعة من الأسباب الموضوعية المهمَّة ليس المقام مقام طرحها، فما أريد أن أؤكد عليه في هذه السطور هو (أصوليتنا)، بل واعتزازنا (بالأصولية الإسلامية) التي تعني الوعي بضرورة التأصيل والوضوح في المفاهيم، والحكمة في الإرجاعات، ولا يليق بنا كمؤمنين موالين الاستسلام للإرهاب الحداثي والتطرف العلماني، كما وأؤكد برسوخ تام على أنَّنا نمتلك “نظرة متكاملة للحياة بكافة جوانبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية” قد اختصرتها سيدتُنا الزهراء (صلوات الله وسلامه عليها) في مقطع من خطبتها السياسية الاجتماعية الاقتصادية التربوية الحيَّة بروح الإسلام، وذلك عندما قالت:
“فَجَعَلَ اللَّهُ الْإِيمَانَ تَطْهِيرًا لَكُمْ مِنَ الشِّرْكِ، وَالصَّلَاةَ تَنْزِيهاً لَكُمْ عَنِ الْكِبْرِ، وَالزَّكَاةَ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ وَنَمَاءً فِي الرِّزْقِ، وَالصِّيَامَ تَثْبِيتاً لِلْإِخْلَاصِ، وَالْحَجَّ تَشْيِيداً لِلدِّينِ، وَالْعَدْلَ تَنْسِيقاً لِلْقُلُوبِ، وَطَاعَتَنَا نِظَاماً لِلْمِلَّةِ، وَإِمَامَتَنَا أَمَاناً لِلْفُرْقَةِ، وَالْجِهَادَ عِزًّا لِلْإِسْلَامِ، وَالصَّبْرَ مَعُونَةً عَلَى اسْتِيجَابِ الْأَجْرِ، وَالْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعَامَّةِ، وَبِرَّ الْوَالِدَيْنِ وِقَايَةً مِنَ السُّخْطِ، وَصِلَةَ الْأَرْحَامِ مَنْسَأَةً فِي الْعُمُرِ وَمَنْمَاةً لِلْعَدَدِ، وَالْقِصَاصَ حَقْناً لِلدِّمَاءِ، وَالْوَفَاءَ بِالنَّذْرِ تَعْرِيضاً لِلْمَغْفِرَةِ، وَتَوْفِيَةَ الْمَكَايِيلِ وَالْمَوَازِينِ تَغْيِيرًا لِلْبَخْسِ، وَالنَّهْيَ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ تَنْزِيهًا عَنِ الرِّجْسِ، وَ اجْتِنَابَ الْقَذْفِ حِجَابًا عَنِ اللَّعْنَةِ، وَ تَرْكَ السَّرِقَةِ إِيجَابًا لِلْعِفَّةِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ الشِّرْكَ إِخْلَاصًا لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، فَاتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَنَهَاكُمْ عَنْهُ، فَإِنَّهُ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماء“.
السيد محمَّد علي العلوي
يوم ذكرى استشهاد الصديقة الطاهرة سيدتنا الزهراء (عليها السلام)
17 جمادى الأولى 1437 هجرية
22 فبراير 2016 ميلادية