يقول الطب عن بعض الأمراض الفتاكة أن القضاء عليها ممكن جدًا لو يتم اكتشافها مبكرًا، ولكن الاكتشاف المبكر لا يكون ذا فائدة إن لم يعترف المريض بمرضه ويسعى لعلاجه، أما إذا كابر وعمي عن واقعه فإنه هالك ومفسد في المجتمع بنشر المرض وتلويث الجو.
ولكنه وعلى أية حال، فإن الأمراض ذات الطابع الطاعوني يمكن محاربتها بمجموعة مخترعة من الأمصال تحصن الأصحاء لتستسلم تحت أقدامهم أنواع (الفايروسات)، ولكن المجتمعات البشرية تصرخ مستغيثة بمن يحميها من أمراض النفس التي فتكت وتفتك بها دون رحمة على الإطلاق.. إنها شرسة في قبحها، فبيحة في تقيحاتها، وقحهة في أنفاسها.. إنها الموت السريري للمجتمعات..
فلنبتعد قليلًا عن النصوص المقدسة الواردة في الثقلين المطهرين، ولنركز على الذوق السليم للإنسان.. الذوق الصحيح.. الذوق الزاكي، ولنطرح السؤال التالي:
عند الإنسان.. أقول (الإنسان)، أيهما أهم: (الأنا) أم المجتمع إذا تزاحما؟
قمة الدناءة تقديم (الأنا) على المجتمع، والخسة كل الخسة في تقديمها عليه دون وجود أدنى تزاحم أصلًا، ولكنه التضخم فيها يحول الإنسان إلى كائن تتبرأ منه العجماوات في براريها..
لحظة لحظة.. حتى لا تذهبن بالبعض المذاهب، أقول (كلامي في كل مجتمع بحسبه، الإنسان بما هو إنسان.. ثم بما هو متدين.. ثم بما هو مسلم.. ثم بما هو شيعي مؤمن).. أرجو الانتباه جيدًا.
يا أخي عندك مشكلة ثقافية أو فكرية أو ربما شخصية مع فلان من الناس، ولنعتبرها مشكلة عادية من تلك التي تحدث كل يوم وفي مختلف المجتمعات..
اسمعني جيدًا..
مشكلتك معه هو، فاجتهد كل الاجتهاد أن لا تصيب بها غيره حتى لو كان من المتعاطفين معه، فالتعاطف له أسباب تعجز وأعجز عن حصرها، فقد يكون بداعي النسب وقد يكون بداعي السبب، فكما أنك تتوفر على من يتعاطف معك، فهو كذلك، وأي توسيع لدئرة الخلاف فإنه يعني توسيعًا لدائرة المختلفين، وبالتالي تشطير مجتمع صغير إلى جبهتين متنازعتين..
فلنذهب إلى ما هو أبعد قليلًا..
من العصب جدًا أن يسكت عنك من تسب والديه أو أحدهما، ومن الصعب أيضًا أن يسكت عنك من تقلل من شأن معلمه المقدر عنده، ومن الصعب كذلك أن يسكت عنك من تسخف رموزه أو تحط من قياداته، ومن الصعب أن يسكت عنك من تتذاكى على توجهاته الثقافية، ولو أننا نعكس الآية فأنت مثله بلا فرق..
بيننا من لا يفكر في غير أن ينتصر لشخصه أو لحزبه أو لعشيرته أو لفكرة يحملها وإن احترقت من ورائه قلوب وضاقت من أفعاله صدور، وبكل بساطة تتجسد فيه أخلاق الصغار فيقول: (هو من بدأ، والعين بالعين..)!!
يا حجي، العين بالعين عند الحاكم الشرعي، فلا تتعبقر وأنت لا شيء..
كم من أسر وعائلات تفككت بسبب ذات فردية قدمت (أناها) على كل ما سواها؟؟
كم تتشطر القلوب وتتحول المجتمعات إلى ركام من الأحقاد، والسبب ضعف أو حتى انعدام حس المداراة للمؤمنين والمسؤولية تجاه سلامة العلاقات العامة؟؟
كم من أمهات.. آباء.. أبناء.. لم تُحْترم مشاعرهم، فانتُهِكُوا في أبنائهم لأسباب لا تُضَخمها إلا العقول المريضة..
بلى، هناك الكثير من المشاكل والمخاطر التي تحتاج من المجتمعات وقفات جادة وربما تحجيم من يثيرون مثلها، ولكن هذا أيضًا ينبغي أن يُحْكَمَ دقيقًا بموازين المراعاة والمداراة واللين والحكمة، ولا ينبغي لكائن من كان أن يخطو بكلمة أو فعل أو موقف إلا من بعد حسابات دقيقة محورها مراعاة الآخرين، ولا شك في أن هذا محل قبولٍ حسنٍ من الله سبحانه وتعالى، وما يقبله المولى بقبول حسن يجعله نافذة على توفيقاته وخيراته وبركاته.
نحتاج أن نبني مجتمعات خيرة، تتمازج فيها المصالح لتلبي تطلعاتها نحو غد يفتح صدره لاستقبال بقية الله الأعظم إمامنا وقائدنا الحجة بن الحسن (أرواحنا فداه)..
السيد محمد علي العلوي
30 من المحرم 1435 هجرية
4 ديسمبر 2013 ميلادية