فشلُ الرسولِ (صلى الله عليه وآله)..!!
ومن بعده فشل علي وفشل الحسن، ولم يتخلف الحسين عن الركب ففشل أيضًا، ولو لا أن تدارك زين العابدين الأمر لفشل أيضًا ومن بعده الأئمة (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) بلا فرق، إلا أن رابعهم فهم الرسالة جيدًا فتفرغ لتأسيس مدرسة الدعاء، ثم جاء الباقر والصادق (عليهما السلام) ليعملا في الفقه ومختلف العلوم فتخرج من مدرستهما الآلاف من طلبة العلم، ومن بعد الصادق ركز الأئمة (عليهم السلام) على تفهيم الناس بأنه لا حكم للشيعة وعليهم الانتظار حتى ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)..!!
نصب الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) عليًا خليفة من بعده حتى يثبت للناس بأن الأمر لن يستقيم له ولن يعطى حقه، ثم أن الإمام الحسن (عليه السلام) خرج لحرب معاوية حتى يري الناس أنه لن يتمكن من إدارة جيشه وسوف تنبع الخيانة من عمقه وعلى مستوى القيادة، وأما الحسين (عليه السلام) فقد خرج في حرب إصلاح الأمة وضحى بالنفس والمال والولد حتى يقول للشيعة من بعده: لا تخرجوا والزموا الدور!
علينا اليوم أن نسجد لله شكرًا أن أنقذنا بأنظمة الحكم اليونانية والفرنسية والبريطانية والإيرلندية، التي لو خلينا منها للاقتنا لعنات الفشل التاريخية، كما وأنه من واجبنا أن نقدم الشكر الجزيل لمعاوية بن أبي سفيان المؤسس لدولة التوارث فهو الذي أفهمنا بأن الحكم للأقوى وإن كان مستبدًا ظالمًا دمويًا جائرًا، وأما أهل الحق فليلتزموا دورهم وإلا فالخيار لن يكون لغير هدم (السماء) على رؤوسهم..
يدافعون عن هذه النظرية ويصورونها على أنها الدين وفهمه الحكيم، ومن يرى غير ذلك فهو متهور مستهتر لا يتقي الله في عباده..
ليعذروني ومن معهم، فالغثيان الذي يصيبني من هذه النظرية هو في الواقع أمر خارج عن إرادتي، ولا أتمكن من منعه، غثيان حقيقي ولا أتحدث مجازًا!!
جاء القرآن الكريم وبعث الله الأنبياء والرسل وعقب بأوصياء أئمة معصومين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) ليبلغوا رسالة واضحة لا ارتباك فيها ولا اضطراب، جاءت خلاصتها في قوله عز وجل (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)، فعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: “أمر الله عز وجل رسوله بولاية علي وأنزل عليه (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) وفرض ولاية أولي الأمر، فلم يدروا ما هي، فأمر الله محمدًا (صلى الله عليه وآله) أن يفسر لهم الولاية، كما فسر لهم الصلاة، والزكاة والصوم والحج، فلما أتاه ذلك من الله، ضاق بذلك صدرُ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله) وتخوف أن يرتدوا عن دينهم وأن يكذبوه فضاق صدره وراجع ربه عز وجل فأوحى الله عز وجل إليه (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فصدع بأمر الله تعالى ذكره فقام بولاية علي (عليه السلام) يوم غدير خم، فنادى الصلاة جامعة، وأمر الناس أن يبلغ الشاهد الغائب”[1]
الخطاب من الله تعالى إلى رسوله الأكرم (صلى الله عليه وآله) بأن يبلغ أمر الولاية وجعله في قبال الرسالة كلها (وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)، وأما المبلغ إليهم فهم الناس، المسلمون، الشاهدون وعن طريقهم إلى الغائبين، يبلغهم ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) وولاة الأمر من بعده (عليهم السلام)، وسؤالنا في المقام:
فهمنا بأن الولاية لأهل البيت (عليهم السلام).. ثم ماذا؟ ماذا نصنع؟ ما هي وظيفتنا؟
نصلي كما يصلون ونصوم كما يصومون ونحج كما يحجون؟
أهذه هي الولاية؟
إن كانت نعم، هكذا هي الولاية، ففي أي لغة بالله عليك؟ وبأي فهم؟
لا، فالولاية ليست بهذا الضيق، والجواب الحق هنا:
عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): “فلما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من حجة الوداع نزل عليه جبرئيل (عليه السلام) فقال: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)، فنادى الناس فاجتمعوا وأمر بسمرات فقم شوكهن، ثم قال (صلى الله عليه وآله): يا أيها الناس من وليكم وأولى بكم من أنفسكم؟ فقالوا: الله ورسوله، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وآل من والاه، وعاد من عاداه – ثلاث مرات -..”[2].
مسؤوليتنا إذًا أن نتخذ الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ولاة قادة كما كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في المسلمين وليًا قائدًا، وبما أنهم (عليهم السلام) يجسدون الوجود العملي والحقيقي للقرآن الكريم، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: “إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدي ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإن اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كهاتين -وجمع بين مسبحتيه- ولا أقول كهاتين -وجمع بين المسبحة والوسطى- فتسبق إحداهما الأخرى، فتمسكوا بهما لا تزلوا ولا تضلوا ولا تقدموهم فتضلوا)، فإن الولاية في حياتنا هي التمسك بكل القرآن وكل العترة، فلا نأخذ ببعض ونترك بعض (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)، ومن الشائن جدًا أن ننظر إلى كل إمام من الأئمة الأطهار (عليهم السلام) مستقلًا فنقول عن عصر بأنه حسني وعن آخر أنه حسيني وهكذا بكل سذاجة، فالأئمة (عليهم السلام) منظومة متكاملة عنوانها إقامة حكم الله تعالى بإقامة الكتاب والعترة، وإن لم يقع ذلك في زمن من الأزمان فهذا أسخف من أن يكون دليلًا على عدم الإمكان، إذ أن الفشل لم يكن في الثقلين حتمًا، ولكنه فشل الأمة في استيعاب عظمتهما، ولازلنا اليوم على نفس مسلك الفشل نسير فنرفض الكتاب والعترة في عمق ثقافاتنا ونظهر لأنفسنا والناس كذبًا وزورًا أننا على خطى الحسين (عليه السلام)!!
نعم، لا يمكن لحكم الله أن يقام اليوم، ولا مجال للثقلين بيننا؛ فالإسلام مخيف مرعب قامع للحريات يلعب به مشايخه فيتحكمون باسمه ويستبدون من وراء نصوصه، حتى أصبح غير نافع لأن أحدًا لا يتمكن من إصلاحه في الأمة!!
(وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)، (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)..
من أمهات مشاكلنا أننا نربط الدين بالسلطة، ولا نفكر أبدًا في الاستقلال العملي ولو بالمقدار الممكن، ولا نفكر في تحقيق الإكتفاء الذاتي حتى في أدنى مستوياته، ولذلك ترانا نلهث وراء حرباء السياسة حتى فقدنا هويتنا ولم يبقى منها إلا ربما القماش الذي نستر به أجسادنا وفي شكله فقط!!
الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يقول بصريح العبارة أن تمسك الناس أي تمسك المجتمع بالثقلين عاصم من الضلال، ونحن نعلم بأن الدين ليس حالة فردية، وبالرغم من ذلك فإننا على استعداد تام لتجربة كل أنظمة الحياة ما عدا الإسلام، إلا اللهم في العبادات وشيء من المعاملات، إنه الفصل الجريء للدين عن الحياة، فنحن نعيش علمانية متخلفة مشوهة لا تنتج غير غثيان مقرف..
حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
[1] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – ص 289
[2] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – ص 295
السيد محمد علي العلوي
17 محرم 1434هـ/ 2 ديسمبر 2012م