نكره أنفسنا.. نحقد ونرفض النهوض، لماذا؟

بواسطة Admin
0 تعليق

في دراسة لبعض علماء الاجتماع قُرِّرَ أن العربي الشرقي من أهل المناطق الصحراوية خصوصًا لا يمكن إلا أن يكون متخلفًا، وإن أراد التحضر فإنه يمسي كالغراب الذي حاول تقليد الحمامة في مشيتها فكانت النتيجة أنه نسي مشيته ولم يتمكن من تقليد الحمامة، وها هو يتنطط لا هو إلا هذا ولا هو إلا ذاك، أما مجتمع الغرب فهو متحضر بطبعه وإن مر بعصور مظلمة فهو يرجع حتمًا إلى التحضر والتمدن، وفيما بينهما تتشكل طبيعة الشعوب بحسب القرب والبعد الطبيعي من الطرفين، الشرق الصحراوي والغرب (الجناوي).

لا شك في أن للطبيعة دور كبير ورئيسي في صياغة الطباع الثقافية والسلوكية للمجتمعات، وقد جعل الله تعالى أمر الترقي والتصحيح فيها بيد نخبة من عباده يخرجون بنظريات علمية وفلسفية تلقى بين الجموع، فإن قوبلت بالتقبل وطرحت للدراسة والتنقيح فإنه وبلا شك المجتمع القابل للتطور والتقدم والإصلاح، وإن كان محلها بين الناس محل مبارك الإبل فإنها مجتمعات التخلف والتردي التي تكرس في عمقها الثقافي لجبال عظيمة من عقد النقص والحقارة والدونية، ومن هذا المجتمع بالذات تخرج الفرق والتوجهات المتطرفة الرافضة للحكمة والنظر، فهي لا ترى في الدنيا غير لونين، الأبيض والأسود، وفي هذه التجمعات تُتلقى نظريات العلماء والفلاسفة التي من شأنها النهوض بالمجتمعات وتقويمها ثقافيًا وسلوكيًا، ولكن لا لكي تفعل ويدفع بها كمادة علمية بين الناس، بل لضربها وتشويهها وتخويف الجماهير منها و(سحق) أصحابها دون رحمة وكأن بين الانفتاح وبين هؤلاء ثأر أزلي!!

نعم، أفهم جيدًا بأن الحضارة الغربية لا تناسبنا، ولكنني هنا أشير إلى مفاتيحها التي هي ذاتها مفاتيح الحضارات أينما كانت.. النظريات العلمية للحكماء والفلاسفة، ولا يهمني إن كان هذا الفيلسوف كافرًا أو ملحدًا أو ماديًا أو غير ذلك، بل ما يهم أن تطرح نظريته أو نظرياته مع المناقشات بين أيدي الناس وتدرس في معاهد وتكتب في مجلات ونشرات خاصة حتى تصبح مألوفة سهلة الذكر والتداول، ولكن الحاصل أنها تواجه بالرفض النظري والعملي على مستويين، أما الأول فهو الرفض بمعنى عدم التفاعل أو حتى الالتفات؛ والسبب أن المجتمع لا يهتم ببناء نفسه أصلًا، وأما الثاني فهو رفض المتصنمين الجامدين الرافضين لكل شيء غير ما يقررونه هم وبحسب رؤاهم وأفكارهم وقناعاتهم، وما دونه فهو الكفر والفسق والفساد والإفساد، وعندما نأتي للتيار المتفاعل مع الطروحات العلمية فهو في الواقع أضعف من أن ينهض بالمجتمع في قبال شراسة الرافضين الظلاميين.

القضية أننا لا نحب أنفسنا.. نحن لا نحب مجتمعاتنا.. لا نشعر بالانتماء لأمتنا التي تشرفت بالنور المحمدي منذ أربعة عشر قرنًا، ولسنا لنتفاعل إلا في مواطن التحدي مع الآخر، وليته يكون الآخر العدو، بل في الغالب نحن نستأسد على بعضنا البعض ونتنمر في ميادين التنازع والتسقيط، وهذا واقع حاصل قائم فشل في إصلاح نفسه مع وجود قائد إلهي نوري مبعوث من الخالق سبحانه وتعالى، وهذا لا يعني بالطبع أن فشله لن يرتفع، ولكن الذي جاء به الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وصاغه من بعده الأئمة الأطهار (عليهم السلام) في نظريات علمية قمة في المتانة والرسوخ، ينبغي أن يأخذ المساحة الكافية من التنظير والبحث والبناء عليه بما يضمن للأمة نهضة شهابية شامخة.

من المهم أن يدخل المؤمن بيت الخلاء برجله اليسرى ويخرج باليمنى، ومن المهم أن يبدأ طعامه بالملح، وأن يتحنك في صلاته، والعقيقة مهمة والتصدق بوزن الشعر فضة أمر مهم، وغيرها من الآداب والسنن الراقية والتي نعرف شيئًا من حكمها وتغيب عنا أشياء، ولكن هذا في الواقع ليس مما يعكس فلسفة الخلق وحكمة الوجود وما يريده الله تعالى من عباده المجاهدين في سبيل إعلاء كلمة الحق إلا في جوانب ضيقة جدًا، وأما ما يرفعنا ويقدمنا للعالم قادة وروادًا فهو البناء العلمي على أسس الثقلين الشريفين العظيمين، ولا بد من إفساح المجال بكل ما تحمل الكلمة من معنى أمام المنظرين والفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع والسياسة والاقتصاد ومختلف العلوم للإبداع بحرية في ميادين الحياة انطلاقًا من القرآن الكريم والعترة الطاهرة، ولا بد من جهات معتبرة تتحمل مسؤولية نشر ما يقدمون من دراسات وبحوث ونظريات وتحويلها إلى مواد دراسية لها مكانتها المحترمة والمقدرة بين الناس.

نحن في الواقع نعاني شديدًا من ضيق في الصدور، فلا نتحمل فكرة التجاوز، بل ونصورها كارثة وفساد، مع أن التجاوز لا نعني به التسامح والتصالح بقدر ما أنه يعني مواصلة طريق البناء بقوة وعدم تضييع الوقت مع من هم من أمثال أولئك الذين (سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)، كيف لا وهم من عشيرة (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)..!!

عندما مجتمعات.. عندنا أمة كل الأمل في أن تعود خير أمة أخرجت للناس، فما لي وفلان يتقيح أموية أو ذاك الذي تسيل العباسية من أذنيه؟ هؤلاء لن يكونوا إلا موطن تعطيل أمامي إن كنت مريدًا للنهوض بنفسي وبمجتمعي..

يا أخي فليكن بيني وبين هذه الجهة أو تلك خلاف في الرؤى، أو في العقيدة، أو في القناعات أو غيرها، وليكن من مهمات أعمالي أن أكشف حقيقة الخلاف وطبيعته، ولكن أن أبقى مراوحًا في دائرته الضيقة، فهذا –وليعذرني القارئ الكريم- ضيق وحرج وإصرار على الإلتصاق بالأرض والخلود إليها..

يا عزيزي.. في العقيدة أرى بأن الخلافة لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ولم تكن السقيفة إلا فسادًا وضلالًا، وفي هذا المقام أطرح أدلتي وبراهيني بعلمية متقنة، وأعمد إلى رد ما يثار من شبهات وإشكالات، ثم أمضي في طريق الدعوة دون التفات إلى سخافات تثار ضد زيارة القبور أو زواج المتعة أو السجود على التربة، فيا أخي من هؤلاء حتى أتوقف عندهم وأنشغل وأشغل العالم بتفاهاتهم؟؟ الكتب موجودة والبحوث منشورة، ومن أراد فليبحث ويتعب نفسه قليلًا..

في السياسة والوضع في وطني البحرين.. لا أوافق الملف الذي تحمله الجمعيات السياسية، وأرفض الطريقة التي تتعامل بها مع جماهير الناس، وفي هذا المورد أطرح رؤاي بكل أدب ثم أمضي في طريقي، ولن أفكر يومًا في رفع راية حرب أو تسقيط ضد هذه الجمعية أو تلك، والسبب أن هذا ليس من حقي أصلًا، بل هو حق لكل الجماهير البحرانية، وليس من الإنصاف أن أضرب شريحة كبيرة من الناس عرض الجدار لأنني أتبنى موقفًا معينًا تجاه هذه الجمعية أو تلك..

يا أخي العزيز هذا الطريق أمامك فامضي بحسب رؤاك المبنية على قواعد علمية واضحة وأطر صريحة تبعد عنك فساد العصبيات وضلال الحرج والضيق..

لا أدري.. لماذا نكره أنفسنا؟ لماذا لا نبحث عن طريق النهوض، بل نرفض البحث عنه أصلًا ونصر على تضييع أعمارنا وأعمار الأجيال القادمة في نزاعات داخلية ضيقة لم تثمر يومًا غير زقوم ينزل على رؤوسنا ولم ننتبه بعد!!

يا مولانا نحن نمتلك أعظم تراث فكري في هذا الوجود الدنيوي، (ومو فالحين إلا الغرب يكشتف شي وعقب ما يكتشفه ويخلص نجي نتهزهز ونقول: إي هذا كان في القرآن من 1400 سنة!! عجيب والله، انجان طلعنا مراجلنا واكتشفنا قبلهم له!!)..

عندنا القرآن العظيم والعترة الطاهرة، ومطلوب منا التعمق في آفاقهما وبناء حضارتنا وحضارات العالم على ما يقدمان من أساسات لا نظير لها. وكفى.      

   

السيد محمد علي العلوي

16 محرم 1434هـ/ 1 ديسمبر 2012م

 

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.