من الصعب أن تجد لنفسك مكانًا في المسجد سواء في قسم الرجال أو في قسم النساء، فالقصَّادُ كانوا بأعداد كبيرة جدًا ومنذ دقائق الإحياء الأولى، وهذا على خلاف الأعوام الماضية التي كان يشتد الحضور فيها بعد مضي قرابة الربع الأول من الوقت، ومما لفت نظري وأشعل في داخلي فكرة هذا المقال هو الحضور الشبابي الكبير ولا أبالغ لو قلت بأنه مثل ما لا يقل عن 80% من نسبة الحضور وبمعدل أعمار 25 سنة تقريبًا، هذا وما لا يقل عن 90 – 95% من الحضور الشبابي لا ترى له شخصًا في المساجد طوال أيام السنة فيما عدا بعض المناسبات القليلة جدًا، إلا أنه البارحة كان متواجدًا بقوة وقد يسمع لبعضه بكاء وأنين خصوصًا عند ما يأتي في الأدعية ذكر للندم والذنوب والخوف من الله سبحانه وتعالى، وعند هذا المشهد أريد التوقف..
خيط من النور أراه واضحًا في صدور الشباب بمختلف أشكالهم وأزيائهم وقصات شعورهم.. خيط من النور هو الذي جذبهم ليلة البارحة إلى المسجد وزادت قوته الجاذبة عندما أطفئت الأنوار ولم يكن من صوت غير صوت قارئ الدعاء.. أنا المذنب.. أنا النادم.. إلهي حرم جلدي عن النار..
كنت أراهم شبابًا في أعمار الورود وهم ينتحبون بأنين وشهيق وزفير وأكاد أقطع بأن أمنيتهم كانت أن تبقى الأجواء مظلمة ويستمر الدعاء..
شبابنا.. أينكم طوال العام؟ لِمَ المساجد خالية منكم؟
لا أريد أن أبحث هذه القضية وإن كان بحثها مهمًا جدًا وفيه الكثير من التنقيبات والكشف عن حقائق قد تكون مزعجة للبعض، ومنها أن الشاب في ليلة القدر يختلي بربه ومن دون أن يكون عليه وصي أو قيم، وهذه مسألة تحتاج إلى توقف ودراسة ونظر، وعلى أية حال فالمقام ليس مقامها ههنا..
طاقات شبابية عندها القابلية للانفتاح على الدين والتدين والإلتزام، بدليل حضورها في ليلة القدر بالرغم من طول البرنامج الذي يصل إلى خمس ساعات متواصلة، وهذه هي الظاهرة التي نبحث لها عن عقول مبدعة تقدم لنا الأفكار والمشاريع التي تستثمر هذه الطاقات الشبابية لما فيه الخير والصلاح لها نفسها وللمجتمع والأمة.
فلنلاحظ قليلًا..
في المسجد لا وجود لمظاهر الاختلاط كما هو في غيره، وفي أجواء ليلة القدر لا معنى للرياء أصلًا وخصوصًا من شاب في الخامسة والعشرين من عمره، كما وأنه لا وعود بمال ولا مناصب ولا وجاهة ولا غير ذلك، وربما أتمكن من التأكيد على أن الكثير من الحاضرين وإن خذلهم التوجه إلى الله تعالى في هذه الليلة العظيمة إلا أنهم يصرون على عدم تفويتها في غير المسجد وسط أجواء الدعاء والتلاوة..
كلها دوال تنتظر القادر على فهم دلالاتها فهمًا جيدًا يمكن من تفجير الطاقات الإيمانية في قلوب الشباب.. نحتاج إلى علماء في النفس وعلماء في الاجتماع والتربية يزيلون الأتربة من على حقائق قد تكون نفيسة ومما تنتظره الأمة لخلاصها ورقيها، ومن الخطأ بل ومن الإجرام أن تمر مثل هذه الحالات دون بحث ونظر وتنظير وطرح للتنفيذ والعمل..
السيد محمد علي العلوي
23 من شهر رمضان 1433هـ / 12 أغسطس 2012م