قد يجوز اللوم.. العتب.. النقد، في موارد، ولكنه خطأ استراتيجي في موارد أخرى..
لاحظوا عندما يدور الحديث عن مبادئ ومنطلقات وجِهات الإصلاح في المجتمع..
يقول العلماء أن الشباب لا يُقبِلون علينا، ويقول الشباب أن العلماء بعيدون عنَّا..
ويتَّهِمُ الآباءُ أولادَهم بالعناد والعقوق، والأولاد يرون في آبائهم ذهنيات قديمة وتفاهمات ضعيفة..
ويتبادل الزوجان التلاوم، وربما التُهم، وبين المدرس والتلميذ.. وغيرها وغيرها وغيرها حتى اتهم الحُكَّامُ الشعوبَ بالخيانة العظمى، و(ثارت) الشعوبُ على الحُكَّام دفعًا للدكتاتورية والاستبداد والظلم والجور!!
هل رأيتَ أيها المتابع (المفكر) طرفًا قرر التغيير بتغيير نفسه أولًا؟
هل رأيتَ قرارًا مجتمعيًا بصناعة علماء حكماء صالحين فاهمين، من خلال إصلاح الذات ورفد الحوزات العلمية بطاقات سوية مستقيمة؟
هل رأيتَ أبًا قد قرر تربية أولاده بتربيته لنفسه قبلهم؟
وقِسْ على ذلك أيهما المكرم..
ألا ترى أنَّنَا نَفِرُّ من تحمل المسؤولية من وجهها الصحيح فرار الموت من الحياة؟
تفضلوا هنا، لعلنا نفهم حقيقة المعادلة:
المهم جدًا أن يستغرق أبناء الثورة في قراءة هذه الخطبة العظيمة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أشراط الساعة، وهذا نصها:
عن عبد الله بن عباس ، قال : حجبنا مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حجة الوداع ، فأخذ بحلقة باب الكعبة وأقبل بوجهه علينا ، فقال :
(معاشر الناس ، ألا أخبركم بأشراط الساعة) .
قالوا : بلى يا رسول الله ؟
قال :
(مَن أشراط الساعة : إضاعة الصلوات ، وإتّباع الشهوات ، والميل مع الأهواء ، وتعظيم المال ، وبيع الدين بالدنيا . فعندها يذوب قلب المؤمن في جوفه كما يذوب الملح في الماء ممَّا يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيّره . فعندها يَلِيهم أمراء جَوَرة ، ووزراء فسقة ، وعرفاء ظلمة ، وأمناء خونة . فيكون عندهم المنكر معروفاً ، والمعروف منكراً . ويؤتمن الخائن ، ويخون الأمين في ذلك الزمان . ويصدق الكاذب ، ويكذب الصادق . وتُتأمَّر النساء ، وتُشاور الإماء ، ويعلو الصبيان على المنابر ، ويكون الكذب عندهم ظرافة وسبب الطرب ، فلعنة الله على الكاذب وإن كان مازحاً
.وأداء الزكاة أشد التعب عليهم ، وخسراناً ومغرماً عظيماً . ويحقّر الرجل والديه ويسبّهما . ويبر صديقه ، ويجالس عدوه . وتشارك المرأة زوجها في التجارة ، وتكتفي الرجال بالرجال ، والنساء بالنساء . ويغار على الغلمان كما يغار على الجارية في بيت أهلها . وتشبّه الرجال بالنساء ، والنساء بالرجال . وتركب ذوات الفروج على السروج . وتزخرف المساجد كما تزخرف البِيَع والكنائس . وتحلّى المصاحف ، وتطوّل المنارات ، وتكثر الصفوف ، ويقل الإخلاص ، ويكثر الرياء . ويؤمُّهم قوم يميلون إلى الدنيا ، ويحبون الرئاسة الباطلة .
فعندها قلوب المأمومين متباغضة ، وألسنتهم مختلفة . وتحلّى ذكور أُمتي بالذهب . ويلبسون الحرير والديباج وجلود السمور . ويتعاملون بالرشوة ، والربا .
ويضعون الدين ، ويرفعون الدنيا . ويكثُر الطلاق ، والفراق ، والشك ، والنفاق ، ولن يضر الله شيئاً .
وتكثر الكوبة ، والقينات ، والمعازف ، والميل إلى أصحاب الطنابير والدفوف والمزامير وسائر آلات اللهو .
ألا ومَن أعان أحداً منهم بشيء من الدينار والدرهم ، والألبسة والأطعمة وغيرهما ، فكأنما زنى مع أمه سبعين مرة في جوف الكعبة .
فعندها يليهم أشرار أُمتي ، وتنهتك المحارم ، وتكتسب المآثم . وتسلط الأشرار على الأخيار . ويتباهون في اللباس . ويستحسنون أصحاب الملاهي والزانيات ، فيكون المطر غيضاً . ويفشو الكذب ، وتظهر اللجاجة ، وتفشى الفاقة .
فعندها يكون أقوام يتعلَّمون القرآن لغير الله ، فيتخذونه مزامير . ويكون أقوام يتفقَّهون لغير الله . ويكثر أولاد الزنا . ويتغنّون بالقرآن ، فعليهم من أُمتي لعنة الله .
وينكرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتّى يكون المؤمن في ذلك الزمان أذلّ من الأَمة . ويظهر قرّاؤهم وأئمتهم فيما بينهم التلاوم والعداوة ، فأولئك يدعون في ملكوت السماوات : الأرجاس الأنجاس .
وعندها يخشى الغني من الفقير أن يسأله . ويسأل الناس في محافلهم ، فلا يضع أحد في يده شيئاً .
وعندها يتكلَّم مَن لم يكن متكلِّماً .
فعندها تُرفع البركة ، ويُمطرون في غير أوان المطر . وإذا دخل الرجل السوق ، فلا يرى أهله إلاَّ ذاماً لربّهم ، هذا يقول : لم أبعْ شيئاً ، وهذا يقول : لم أربحْ شيئاً .
فعندها يملكهم قوم : إن تكلموا قتلوهم ، وإن سكتوا استباحوهم . يسفكون دمائهم ويملأون قلوبهم رُعباً ، فلا يراهم أحد إلاَّ خائفين مرعوبين .
فعندها يأتي قوم من المشرق ، وقوم من المغرب ، فالويل لضعفاء أمتي منهم ، والويل لهم من الله ، لا يرحمون صغيراً ، ولا يوقرون كبيراً ، ولا يتجافون عن شيءٍ .جثتَّهم جثَّة الآدميين ، وقلوبهم قلوب الشياطين . فلم يلبثوا هناك إلاّ قليلاً حتى تخور الأرض خورة حتى يظن كل قوم أنَّها خارت في ناحيتهم . فيمكثون ما شاء الله ، ثم يمكثون في مكثهم ، فتلقي لهم الأرضُ أفلاذ كبدها) .
قال :
(ذهباً وفضةً) .
ثم أومأ بيده إلى الأساطين ، قال :
(فمثل هذا ، فيومئذٍ لا ينفع ذهبٌ ولا فضةٌ ، ثم تطلع الشمس من مغربها .
معاشر الناس ، إنِّي راحل عن قريب ، ومنطلق إلى المغيب ؛ فأودعكم
وأوصيكم بوصية فاحفظوهما :
إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً .
معاشر الناس ، إنِّي منذرٌ ، وعليٌّ هاد ، والعاقبة للمتقين ، والحمد لله رب العالمين)
محمد علي العلوي
١٨ رجب ١٤٣٥ هجرية