قد يختنق الإنسانُ بلقمة، فيلجأ إلى الماء يدفعُ به الأذى.. وقد يختنقُ بشربة ماء، ولا يجد ما ينقذ به نفسه..
هذا كلُّه مُتصوَّر ومعقول..
ولكنَّ الأمرَ معهُ مُختلف.. الاختناقُ في هواه لا يُشبِهه شيءٌ..
أن يختنق الإنسانُ بعبرةٍ، ولا يشتهي معها لا لقمة ولا ماء..!
أن يختنق بعبرةٍ ويعيشها سموًّا وكمالًا..!
أن يختنق بعبرةٍ ويسأل الله تعالى متوسلًا راجيًا ألَّا يُحرمها.. أن تخرج روحه معها.. أن تطيل خَنْقَهُ فينشرح صدره..!!
أبت السماءُ أن تجودَ بعبرةِ الجنَّةِ إلَّا لمصاب الحسين (عليه السلام)، فتحيا بها قلوبٌ طالما أمرضتها دونيات هذه الدنيا الهالكة المُهلِكة..
انظر يا قلبُ بصيرًا، وتأمل مضامينَ هذه الرواية عن عظيمٍ من عُظمَاءِ الوَلاية..
عن عروة بن الزبير قال: “سمعتُ أبا ذر وهو يومئذٍ قد أخرجَهُ عُثمَانُ إلى الرَبَذَة، فقال له الناس: يا أبا ذر، أبشِرْ، فهذا قليلٌ في الله.
فقال: ما أيسر هذا، ولكن كيف أنتم إذا قُتِلَ الحُسينُ بن عليٍّ قتلًا (أو قال: ذُبِحَ ذبحًا)، واللهِ لا يكونُ في الإسلامِ بعد قتلِ الخليفَةِ أعظمُ قتيلًا منه، وإنَّ الله سَيَسِلُّ سيفَه على هذه الأمَّةِ لا يُغمِده أبدًا، ويبعثُ ناقِمًا من ذريته فينتقم من الناس، وإنَّكم لو تعلمون ما يدخل على أهل البحار، وسكَّانِ الجِبَالِ في الغياض والآكام، وأهلِ السماء، من قتله، لبكيتُم واللهِ حتَّى تزهق أنفُسُكم، وما من سماءٍ يمرُّ به روح الحسين (عليه السلام) إلا فزع له سبعون ألف ملك، يقومون قيامًا ترعد مفاصلهم إلى يوم القيامة، وما من سحابة تمرُّ وترعد وتبرق إلا لعنت قاتله، وما من يوم إلَّا وتعرضُ روحه على رسول الله فيلتقيان”.
هل نتركُ العبرَةَ تموتُ في صدورنا دون أن نسلَّ مع سيف اللهِ تعالى أقلامًا من محابِرِها لنُسجِّلَ فتوحاتٍ في ميادين معرفةِ الحسين (عليه السلام)؟
ألا نفزع مع الملائكة، ونرعد ونبرق فنُنزل مدادَ العلم غيثًا تحت راية الحسين (عليه السلام)؟
عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سَمِعتُ أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) يقول:
“رحِمَ اللهُ عبدًا أحيا أمرنا.
فقلتُ له: وكيف يُحيى أمرَكُم؟
قال: يَتعلم علومَنا ويُعلمها الناسَ؛ فإنَّ الناسَ لو عَلِمُوا مَحَاسِنَ كلامِنا لاتَّبعُونا”.
بقي على هلال عاشوراء قرابةُ الشهرين.. عندنا -أيُّها الأكارم- متَّسعٌ من الوقت..
دراسة.. بحثٌ صفي.. مقالات.. رسائل.. مقاطع قصيرة.. مشاهد تمثيلية وازنة.. قصائد..
ليتنا نعقد العزمَ على تحريك المعارف الحسينية في كلِّ مكان، وبما نستطيع من أدوات العلم والمعرفة والثقافة المَرْضِيَّة عند الله تعالى..
لا نحتاج لأكثر من همَمٍ وعزائم.. وقرار..
وعن نفسي، فبضاعتي الضعيفة أضعها بين يدي سيدي نور القلوب ومحييها، بقية الله إمامنا المهدي المنتظر (أرواحنا اتراب مقدم خدَّامه الفداء، وهي كتاب بعنوان:
كربلاء.. من الشجرةِ إلى غضبةِ الصُور
(فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا) … (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ)
السيد محمَّد علي العلوي
3 شوَّال 1438 هجرية