بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على أشرف الخلق محمَّدٍ وآلِه الطاهرين، واللعنُ الدائمُ على أعدائِهم إلى قيام يوم الدين.
(الناسُ بين منهجين، وبلاءِ قَطْعَين)
يقصدُ جمهورُ الموالين منابِرَ عاشوراء لِتَلقِّي العلوم، والاستزادَةِ من معارف أهل البيت (عليهم السلام)، وتتعاظم هذه الحركة الكبرى في أيَّام عاشوراء، حيث ارتفاع مستوى الاستعداد للتلقِّي عبر نافِذَتي العقل والعاطفة، وأمَّا المصدر الأبرز فهو المِنبر ومعه قصائد الرثاء في مواكب العزاء.
إنَّها أيَّامُ استزادَةٍ علميَّةٍ ومعرفيَّةٍ بكُلِّ ما تحمِلُ الكلمة ُمن معنى، ولكِنَّ هذه الاستزادة تصاب بشيء من الاضطراب بسبب سلوك القطع الذي يتَّبعه البعض في غير موارده، ومنه ما يُحمَل على النقولات في ما يخصُّ بعضَ قائع كربلاء، وهنا أُشير إلى منهجين علميين:
المنهج الأوَّل:
يعتمد هذا المنهج المصادر التاريخية المتقدِّمة (القرون الهجرية الخمسة الأولى)، ويثبِتُ ما ورد فيها، ولكِنَّه لا ينفي غيره مِمَّا ورد في الكتب المتأخرة عنها وخصوصًا مصادر ما بعد القرنين التاسع والعاشر، فهو يحتمل ورودها في كتب متقدِّمة فُقِدت بعد أن ظفر بها مؤلفو الكتب المتأخرة.
بالرغم من عدم نفي هذا المنهج لما أورده المتأخرون، إلَّا أنَّه لا يتبناه، وذلك التزامًا منه بمنهجه العلمي في البحث والتحقيق.
المنهج الثاني:
يعتمِدُ هذا المنهجُ وثاقةَ مؤلِّفي الكتب المتأخرة في توثيق ما أوردوه في كتبهم، فهو يرجِّحُ تحقيقات قاموا بها وكتبوا بحسبها، ولذلك فالاحتمال الغالب عند هذا المنهج هو وجود كتب اعتمدها المتأخرون وفُقِدت من بعدهم، وأسباب الفقد كثيرة وغير خافية على من تتبَّع ما أصاب الشيعة وتراثهم من ملاحقاتٍ ومخطَّطاتِ إبادة.
المشكلة التي يواجهها جمهورُ الموالين اليوم، هي سلوك القطع الذي يمارسه البعض، فهناك مِنَ المتبنين للمنهج الأول مَنْ يقطع بعدم وقوع بعض القضايا، ويتَّهم المتبنين للمنهج الثاني بالجهل والسفاهة وما شابه، كما ويمارس المتبنون للمنهج الثاني نفس السلوك تجاه المقابل لهم!
إنَّ لهذا السلوك مِنْ آثار التمزُّق والشِقاق ما أتصوره مُحزِنًا لقلب مولانا صاحب الأمر (أرواحنا فداه).
نحن اليوم في حاجة ماسَّة إلى أريحيَّة علميَّة تُجنِّبُنا الوقوع في مزالق الفتن والمنازعات.
أسأل الله العلي القدير التوفيق والسداد لشيعة أمير المؤمنين (عليه السلام).
السيد محمد علي العلوي
4 من المُحرَّم 1437 هجريَّة
18 أكتوبر 2015 ميلادية