من أهم قواعد الإنجاز والتنمية

بواسطة Admin
0 تعليق

سمعنا كثيرًا عن مصابين بأدواءٍ عضال إلا أنهم لا يزالون يحققون الإنجاز تلو الإنجاز.

بل وهناك من أخبره الطبيب بأن عمره لن يتجاوز الأشهر، ولكن ذلك لم يثنه عن مواصلة العمل بل والإنجاز أيضًا، فهذا ومثله وعلى المستوى العملي ملتزمون تمامًا بقول أمير المؤمنين (عليه السلام): “امش بدائك ما مشى بك”.


يُصور الإمام (صلوات الله وسلامه عليه) المجتمع كالجسد الواحد، ويعتبر الحالات السلبية فيه كالداء الذي يصعب علاجه، ثم إنه يرشد الناس إلى أن لا يتوقفوا كثيرًا عند تلك الحالات السلبية أو المرضية أو سمها ما تشاء، ولكنه يأمرهم بمواصلة المسير مع مراعاة الظرف المرضي (ما مشى بك).


إننا أيها الأخوة.. أيتها الأخوات، نعيش مجتمعات بشرية يعرض عليها طوفان من الظروف المتدفقة بشكل رهيب، وكلها تترك آثارًا مختلفة ومتنوعة، منها ما ينعكس سلبًا على شخصية الفرد والمجتمع، ومنها ما يكون إيجابيًا، ولذلك فإنني أكاد أقطع بأنَّ قلة هم الذين تخلو دواخلهم من العقد والمركبات النفسانية المتشابكة، وإن كان متفاوتًا من شخص لآخر، غير أنه موجود في الغالب (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا).


لا ينبغي للقارئ الكريم توهم أنني أدعو إلى السلبية في مواجهة المشكلات والعُقَد التي تعصف بالمجتمع، فهذا توهمٌ مجانبٌ للصواب تمامًا، ولكنني في الواقع أدعو إلى التالي:


أولًا: أن لا ننخدع بعناوين براقة مثل (الحلول الجذرية)، فهذه لا واقعية لها في الغالب؛ إذ أن الوارد (الأمراض) متجددة في كل آن، وعارضة على كل واحد واحد بلا هوادة، وما نحاول معالجته في زيد قد يرد ما هو أشد منه وفي نفس اللحظة على نفس المُعَالِج، وبالتالي فالعلاج مطلوب، ولكِنَّه بالتبع للعمل والاجتهاد في ترطيب الأجواء ما استطعنا.


ثانيًا: أن يكون استفراغ الجهد من كل فرد وبكل صدق وإخلاص في أن يُحَمِّلَ نفسَه مسؤولية الخطأ، وأن يتجنب تحميله الآخر، وينبغي أن يكون ذلك منه إلى أبعد ما يمكن.


ثالثًا: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): “ثلاث من لم يكنَّ فيه لم يتم له عمل: ورع يحجزه عن معاصي الله، وخُلُق يداري به الناس، وحلم يرد به جهل الجاهل”.

 

وقال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): “جاء جبرئيل (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد ربك يقرؤك السلام، ويقول لك: دارِ خلقي”.


وقال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): “أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض”.


وقال (صلى الله عليه وآله): “مداراة الناس نصف الإيمان، والرفق بهم نصف العيش”.


سيلٌ من الأحاديث الواردة عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام) تأمر بالمداراة والرفق والتراحم، ولعمري أي مداراة ورفق ورحمة لمستقيم النفس كاستقامة المعصوم (عليه السلام)؟


الواضح، بل المسلَّم به أنَّ مورد السلوك اللين هو الحالات التي تحتاج لمداراة ورأفة ورفق وتراحم، وهي التي تعاني أو تمر بظروف نفسية خارجة عن الحدود الطبيعية، ومورد آخر هو مطلق النفس غير المعصومة للمحافظة عليها من سلطة الظروف التي من شأنها أن تؤثر سلبًا في نفسية الإنسان.


رابعًا: قال تعالى (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)، وقال عز وجل (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)، وقال تبارك ذكره (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا)..


نعاني من ثقافة سلبية تأزيمية جدًّا، وهي ثقافة (الرد) و(رد الرد)، تحت عناوين (أخذ الحق) وأن (الحقوق ليس لها إلى الحلوق) وما نحو ذلك، والحق أن الإنسان ليس ملزمًا بالرد ولا بالتبرير ولا بالتوضيح ولا غير ذلك، فطالما إنه قد قال وأوضح، فما يرد عليه بعد ذلك لن يخرج في الغالب عن كونه مغالبة أو جدل بالتي هي (أسوء)، وهذه لا يدفع في تجاهها –كما أرى- غير داء (الأنا).


وبالتالي فما أنصح نفسي والقارئ الكريم به، أن لا نستهلك أنفسنا في اجترار الردود وردود الردود، ويكفي دائمًا بيانٌ واحد ثم بعض التوضيح.


خامسًا: هناك دعوة من الكثير إلى المصارحة والمكاشفة، هذا وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): “لو تكاشفتم ما تدافنتم”، فالقضية ليست في القدرة على المصارحة والمكاشفة، ولكنَّها في التمكن من المداراة وانتخاب الطرق اللينة غير المباشرة في حل الأمور وخصوصًا تلك التي تمس الحالة النفسية للإنسان؛ فلا أحد يخلو من عقدة ومرض، وبالتالي فهو محتاج لمن يداريه، فلتكن منه المداراة حتى يجد من يحتضنه عند الحاجة.


وامش بدائك ما مشى بك.

 

السيد محمد علي العلوي

16 من ذي الحجة 1435 هجرية

11 أكتوبر 2014 ميلادية

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.