هناك مِنَ الناس مَنْ يبهرونك بروحياتهم العالية وما يتمتعون به من فضائل متألقة تدفعهم دائمًا نحو الإنجازات الجميلة والنجاحات الرائعة، فهؤلاء يصنعون واقعهم من منطلق إنسانيتهم التي يحبونها ويحترمون القابليات والطاقات التي جعلها الله تعالى فيها.. لا ينتظرون من يثير فيهم روح العطاء، ولا يعلقون العطاء منهم على غير ذواتهم.. إنهم يبدعون في كل وقت وفي كل مكان، ومن أروع وأرقى سماتهم أنهم ينفرون جدًا من العصبيات والتعصبات والنزاعات والصدامات بين بني البشر، ومن سماتهم البهية أيضًا أنهم يلتمسون الأعذار للبعيد والقريب، ويجدون أنفسهم في نفور كبير من اتهام الآخرين والتصيد عليهم..
إنهم رائعون، ترتاح لهم ويرتاحون لك..
وهناك مِنَ الناس مَنْ يلفت انتباهك بانطلاقاته الإيجابية الرائعة، ولكنه لا تظهر إلا مع وجود المنافس، فهؤلاء حيويون في مواطن المنافسة، غير أنهم يصابون بالخمول والكسل والتسويف بمجرد أن يغيب المنافس، وهم ينقسمون إلى قسمين:
الأول: محبون للمنافسة بقلوب طيبة.
الثاني: محبون للمنافسة من أجل الغلب والعلو.
أما القسم الأول فحياهم الله، وأما القسم الثاني فالحديث عنهم آت..
وعلى أية حال فهؤلاء قد ترتاح لهم ويرتاحون لك، وقد لا..
هناك من الناس من لا يتمكنون من فعل أي شيء إلى من خلال جبهة يقفون عليها للضرب والصراع مع الآخر، وإن لم يجدوا أحدًا يصارعونه ويصارعهم، خلقوا لأنفسهم واحدًا، وهؤلاء وإن أنجزوا فلأجل أن يقولوا للآخر: نحن هنا.. نحن أقوى..
المشكلة مع هذا الصنف الثالث أنه عامل تعطيل وإعاقة، فما إن يتحرك المجتمع نحو الإنجازات حتى دخل هذا الصنف على الخط وخرب الدنيا بزعيقه ومهاتراته مع هذا وذاك، وبطبيعة الحال ينجذب إليه الفارغون والمرضى فتتكون عنده قاعدة جماهيرية تشكل طابورًا شاغلًا في المجتمع لا شغل له غير التصيد على فلان وملاحقة فلان من أجل تكثير الجبهات الصراعية التي لا يجد نفسه في غيرها، والغريب أن أبناء هذا الطابور يمتلكون استعدادات عالية لقراءة مجلدات من الكتب لا للمعرفة والفهم، ولكن لاصطياد كلمة أو اقتناص عبارة يتخذونها مادة لشن حرب على الكاتب أو الضرب في من يؤيده!
بحسب التجربة، فإن الأخيار قد تقدموا بالكلمة الطيبة ناصحين، وبالحجة البالغة مرشدين، ولكن عناترة الساحة لا يتمكنون من العمل من أجل العمل، ولذلك لم تنفع معهم النصيحة ولم يجدي الإرشاد، فما أعتقده –آسفًا- أن يكون الموقف منهم وفق القاعدة الذهبية (ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ)..
هذا وأعلم جيدًا بأنهم مثل الطحالب الكريهة وهي تنتشر على الجدران الرطبة، ولكنهم هكذا، وربما كانوا من أطراف معادلات الحياة، وهي معادلات معقدة جدًا، والواقع أنه لا طريق معهم غير (ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ)، وبالتأسيس دائمًا وأبدًا على (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
السيد محمد علي العلوي
9 شعبان 1435 هجرية
9 يونيو 2014 ميلادية