أتذكر ذاك اليوم الذي ضبطك فيه أبوك وأنت تقوم بفعلة عنده منكرة؟ أتذكر خفقان قلبك، وطيران عينيك؟ أتذكر أنفاسك المتلاحقة وهي تنتظر قرارًا مرتقبًا من الأب؟
طيب.. إن لم يكن ذلك، فهل مُسِحَتْ من ذهنك تلك اللحظات أو الدقائق والساعات، وربما الأيام التي تمنيت فيها ما كان منك لو أنه لم يكن؟
نتفق تمامًا على أن في الحياة مضائق شديدة يُظلِمُ فيها كل شيء ويسد معها كل باب.. ولا أمل.
لا تزال صورتان للمجرم معمر القذافي عالقتين في الأذهان.. الأولى وهو يتوعد الناس مهددًا مستنقصًا محقرًا، والثانية بعدها بأيام وهو يستعطف قاتليه ويطلب منهم الرحمة مع كل ضربة (نعال) تنزل من أحدهم على وجهه..
كان في ضيق شديد أظلم فيه كل شيء وسد معه كل باب!!
يصور الله تعالى هذه الحالة في الدنيا فيقول (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)..
موج من كل مكان.. مياه تتلاطم.. رياح عاصفة، وأنت في (وسط) هذا الهيجان لا سند لك غير خشب السفينة.. هل تذكرون فيلم (Titanic)؟؟!!
ثم أنه تعالى يصورها في الآخرة، فيقول (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا)..
نيران من كل حدب وصوب.. من الأعلى ومن الأسفل.. عن اليمين وعن الشمال.. من الأمام ومن الخلف.. نار تلظى تنفذ ما تؤمر به بدقة احترافية عالية، ثم أن من تتقاذفه بألسنتها الحمراء يستغيث، وإذا بالإغاثة خثارة الزيت أو النحاس المذاب يشوي وجهه زيادة على ما هو فيه من عذاب شديد!!
كل ما مر لم يكن إلا مقدمة لن يتجاوز الموضوع طولها، فلندقق جيدًا..
أن (يخفض) الله العلي القدير أحدًا يوم القيامة، فهذا هول عظيم.. وأن ينصر الله اللطيف الخبير عبدًا يوم يلقاه فلا منى بعد هذا الثواب الجزيل..
هنا واحدة من معادلات السماء:
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: “من اغتيب عنده أخوه المؤمن فنصره وأعانه، نصره الله في الدنيا والآخرة، ومن اغتيب عنده أخوه المؤمن فلم ينصره ولم يعنه ولم يدفع عنه وهو يقدر على نصرته وعونه، إلا خفضه الله في الدنيا والآخرة”
لا يتحدث الإمام (عليه السلام) عن من يمارس الغيبة، ولكنه يركز على من تُمارس غيبة المؤمن في محضره ويكون قادرًا على الرد عنه ولا يرد، فكيف بالأمر لو كان الكلام عن نفس المُغتاب؟
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): “من اغتاب مؤمنًا بما فيه، لم يجمع الله بينهما في الجنة أبدًا، ومن اغتاب مؤمنًا بما ليس فيه، فقد انقطعت العصمة بينهما، وكان المغتاب في النار خالدًا فيها وبئس المصير”.
والسب ماذا؟
لسان لا عظم فيه لاط وخاط وباط حتى أدخل صاحبه نار جهنم يستغيث فيها ولا يغاث، ويطلب العون فلا يعان!!
لماذا؟
لأنه لم يتمكن من ضبط نفسه عن الغيبة..
لماذا؟
لأنه سلم نفسه لبطولات اللسان الشيطانية..
لماذا؟
لأنه اجتهد أيما اجتهاد ليسوغ غيبة فلان ويشرعن غيبة آخر..
والنتيجة: تفكك في المجتمع.. أحقاد.. ضغائن.. نفاق.. خصومات.. قلوب مشحونة..
ثم: نار تلظى.
السيد محمد علي العلوي
12 جمادى الآخرة 1435 هجرية
12 إبريل 2014 ميلادية