عندما يشعر الإنسان بشيء من الصداع فإنه يلتقم قرصين لتسكين الألم حتى يهدأ ويعود إلى طبيعته، والتلميذ إذا ما قصر في دروسه فإنه يعطى وصفة تنظيمية معينة ليعدل من وضعه على طريق طلب العلم، وهكذا فإن بعض الحالات التي تعرض على الإنسان تُصَحَّحُ (بالملعقة).
لا تنفع (الملعقة) مع الحالات النفسية التي تهدد الإنسان مع كل نَفَسٍ يتنفسه، فهو يعيش حالة القلق من طروء القلق والتوتر من عروض التوتر والضيق من هجمة ضيق، وكلها رهينة كلمة وربما نظرة تكون سببًا في ألم أيام وليال، وليست كتب الحديث ببعيدة عن طالبيها، وفيها عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن: “حرمة المؤمن أعظم من الكعبة”!!
الكعبة وهي بيت الله العتيق الذي أُمِرَ المسلمون بالحج إليه وتعظيم مناسكه من منطلقات التقوى، ولا تخفى حرمة مكة المكرمة والتشريعات الخاصة بها، هذا ويصرح الإمام الصادق (عليه السلام) بأن المؤمن أعظم حرمة منه..
لماذا يا ترى؟
إنه يريد حمايته من أوجاع النفس وآلامها.. إنه يريد له السلام والطمئنينة والسكينة والاستقرار، ولكن يأبى الإنسان، ويا أسفاه، إلا أن يذبح نفسه!!
فلنلاحظ بتركيز ودقة..
يقول الله تبارك ذكره (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)، ثم أنه (صلى الله عليه وآله) وكلما لقي الأذى من الكفار، كان يدعو لهم قائلًا: “اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون”..
فرارٌ عجيب من منغصات العيش.. فرارُ نبي متألق عن أنياب الكره والبغضاء وشحن الصدور.. إنه فرار الفلاح، ولا يكون إلا من بعد بناء عميق أساسه صحيح قوامه..
إنه هكذا:
أولًا: الإيمان بالله تعالى عن علم ومعرفة.
ثانيًا: الفناء التام في ثقافة السماء وأدبها وآدابها.
ثالثًا: الربانية في العلم والمعرفة والثقافة والسلوك.
رابعًا: الانتهاء إلى (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ).
هذه الحالة هي حالة الإتساق بين الإنسان في عقله وتعقلاته وثقافته وفكره ونفسيته وعواطفه ومشاعره وبين السماء في أدبها وآدابها، والنتيجة هي (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً)، وهذا المطلب في مفهومه كان مقصد الكثير من الديانات والمذاهب والطرق، ومنها (اليوغا) التي تهدف إلى صفاء النفس والخروج بالإنسان من أطر المادة نحو آفاق السكينة والحكمة، ومنها البرمجة اللغوية العصبية وما يدور في فلكها من علوم تبذل قصارى جهدها لفرض الهدوء والسكينة ولو توهمًا!!
علينا أن نفهم جيدًا بأنه لا مفر من ضيق هذه الحياة وضنك عيشها وما تحمله من (تسونامي) التوترات التي تعصف بنفس الإنسان الذي بطبيعته يتأثر بمحيطه، كما وأنه لا خلاص من نفوس غاية في المرض تتعمد الإضرار بالآخرين وملاحقتهم بألوان وصنوف من تقيحات قروحهم وتورماتهم النفسانية، وأقولها عن ثقة ويقين:
لن تنفع (اليوغا) وإن بدا ذلك، ولا فائدة من البرمجات وإن تُوُهِمتْ، وليس في هذا الميدان من مُعالِجٍ أو مداوٍ غير نفس الإنسان، وهنا آيات ثلاث:
الأولى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ).
الثانية: (الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).
الثالثة: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا).
ولا ثمرة لـ(ربي الله) إلا إذا كانت عن علم ومعرفة تحتضنهما روح سليمة من الأمراض وقلب رائق من الكدورات، ولهذا بابان، أولهما الأخلاق الحميدة وثانيهما حب العبادة وخصوصًا النافلة منها.
خلاصة القول:
فلنبحث ثم نسعى لتحصيل الإتساق في ما بيننا والسماء، وإلا فليس غير الغرق في هموم الدنيا وغمومها وتوتراتها وضيقها وضنكها.
السيد محمد علي العلوي
13 جمادى الأولى 1435 هجرية
14 مارس 2014 ميلادية