عندما يكون فريق الكُرة على موعد مع مباراة مهمة، فإن بعض المدربين أو المدراء يمنعون اللاعبين عن الصحف والمجلات والبرامج التحليلية لأنها قد تؤثر على نفسياتهم وصفاء أذهانهم، وبالتالي على أدائهم أو بعضهم في الملعب، بل وحتى بعض المدراء والمدربين يمنعون أنفسهم أيضًا عن ما منعوا عنه اللاعبين.
قد أفهم هذه السياسة، فاللاعب مُنَفذٌ لما يملى عليه من خطط مع مطالبته الرسمية بأن يستثمر طاقاته ومهاراته الذاتية من أجل تحقيق الفوز تلو الآخر.. ربما يكون ذلك جيدًا، فالتحليلات وما يُكتَبُ في الصحف والمجلات قد يؤثر سلبًا على اللاعب، فليمتنع عنها و(كفى الله المؤمنين القتال).
ولكن الذي لا أفهمه هو أن يتحول بعض الرجال والنساء من الذين يحملون ثقافات معينة إلى (بلدوزرات) تقرأ وتتابع وتحلل ولكنها جامدة متصنمة تمنع نفسها من مجرد التفكير من المراجعة فضلًا عن اعتراف بخطأ أو تصحيح لموقف أو توجه أو توجيه، ولكنها ماضية على ما عليه بصنمية عجيبة غريبة!
ما الذي أفرزته هذه الحالة؟
إنها حالة عنوانها (الإصرار على اللا فهم)، فهذا يمشي في طريقه ولا يريد فهم أي شيء غير ما هو عليه، وإن تابع وقرأ وسمع، فإنه وبمهارة كئيبة جدًا يقوم بفرز ما يمر عليه بين مؤيد ومحارب، ولا مجال لمساحات التفاهم، ولذلك فإنك إن اقتربت من ميدان السياسة فإنك تجد:
إئتلافات قد تنقلب بين لحظة وضحاها إلى عداوات.. تحزبات واحتراب.. تخوينات واتهامات..
ضديات على طول الخط..
ولو أنك تقترب من ميدان التدين والمتدينين، فإنك تجد:
تكفير.. تفسيق.. تضليل.. واحد يحفر وآخر يستدرج فيقع الثالث.. وأيضًا تخوينات واتهامات..
وضديات على طول الخط..
إصرار من الإنسان على الظهور بوجه قبيح جدًا لا أستبعد استقذار الخنازير له، فهذا (البشر) الذي ميزه الله تعالى بالعقل وأهله للمعارف (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) قائم كالوثن ليوزع الناس على الجنة والنار وهذا من أهل الحق وذاك من أهل الباطل وفلان ضال وفلان خائن للشعب والأمة وفلان مخابرات، والأنكى أن لهؤلاء جماهير تصفق وتطبل من ورائهم، وتدفع نحو عقلياتهم المحشورة في ما يتهومونه أفقًا وآفاقًا..
ما نحتاجه اليوم، بل وما نحن في حاجة ماسة متعاظمة إليه، هو أن تتشكل في كل مكان تجمعات للعقلاء القادرين على فهم طبائع الإنسان والمجتمعات، يعملون على إشاعة مفاهيم التفاهم والتآلف والانفتاح والخير، وإحلالها محل ما هو شائع من بغضاء وأحقاد وكراهيات وقطيعات وما لها من أخوات فاسقات..
السيد محمد علي العلوي
9 جمادى الأولى 1435 هجرية
11 مارس 2014 ميلادية