الغزو والإستيلاء على مقدرات الآخرين رذيلة صريحة كما نفهم، ولكننا لو سلمنا بأنه لابد من الغزو ولابد من الإستيلاء وفرض السيطرة على الآخرين فإنه من الأهمية بمكان أن تكون عندنا بعض القوانين والأطر الملزمة والموجهة لـ(رذيلة الغزو)، فالغازي ينبغي له أن يختار الجماعة التي يغزوها على أساس ثقافتها وفكرها وخصوصًا نوعًا وطبيعةً.
البحراني مدني حضاري صاحب علم وعطاء ثقافي وفكري قد تحدث عنه العالم منذ آلاف السنين فلو كان قدره أن يصبح تحت سيطرة قوة ما فمن الصحيح أن تكون تلك القوة لها أصول ثقافية تتسم بالعلمية والحضارية والفكر غير أن الحاصل هو أن الشعب البحراني أُدخل بالقوة والقهر في صراعات ثقافية بين الحضارة والبداوة.. بين الحرية والسخرة.. بين الإبداع والتقليد..
إنه اليوم لا يتمكن من ممارسة روحه العلمية التي جبل عليها، وفي المقابل فإنه غير قابل تكوينًا أن يسلم لما تمليه عليه قوانين البادية وثقافاتها، ولذلك نراه في حالة أقرب إلى التيه وضعف القدرة على التركيز، فالبحراني بالفعل واقع بين المطرقة والسندان.
في تصوري أن على البحراني الرجوع إلى طبيعته البحرانية بالخروج عن ذاته المصطنعة..
على البحراني أن يرجع إلى علمه وثقافته وفكره الذي لم يكن يومًا إلا رافدًا ومنبعًا يستفيد منه الآخرون ويستثمره الأبعدون، وهذا هو الأصل في الطبيعة البحرانية مهما تعاقبت على البحرين حكومات واختلفت عليها أنظمة وقوانين، فالبحراني هو برهان السيد هاشم التوبلاني وهو حدائق الشيخ يوسف البحراني وسداد الشيخ حسين العصفور..البحراني هو مطرقة القضاء بيد السيد ماجد وابنه سيد عبد الرؤوف في بلاد فارس..البحراني هو الشيخ ميثم في مباحثاته أخذًا وعطاءً مع الشيخ الطوسي..
إن القبول بالتراجع عن هذه الطبيعة البحرانية الأصيلة هو في الواقع قبول بالدخول في ضيق التجاذبات وصفعات المتناقضات بينما يفترض أن يكون وما يراد له غصبًا واستبدادًا ان يكون.
بعد قرنين من الزمن يبدو لي أن بعض المتصدين يأخذون البحراني إلى ميادين أخرى من المتناقضات باعتقاد أنها خلاص من متناقضات القرنين السابقين وهنا أطرح أصلًا أستوحيه من لؤلؤة الشيخ البحراني (قدس سره):
في اللؤلؤة يبرز لنا الشيخ يوسف شبكة هائلة من العلماء المجازين والمجيزين في الرواية عن أهل البيت (عليهم السلام)، ويذكر أن في مسجد المشهد في منطقة الخميس كان يحضر في حدود ثلاثمئة فقيه، وإنني أتسائل هنا: إذا كانت البحرين تموج بهذا العدد الهائل من الفقهاء، وتزخر بهذه الشبكة العلمية العظيمة، فكيف كانت الحالة الثقافية للشعب البحراني؟
أليس من المنطق بل هو من البداهة أن نفهم علو القامة التدينية ومدى إندماج البحراني مع إسلامه مواضيعَ وأحكامَ.
إن أي تآلف أو توافق أو تخندق للبحراني فإنه لا ينبغي أن يكون إلا تحت راية أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، وأشهد أن عليًا ولي الله، وإلا فهو عودة إلى تناقضات بعد تناقضات.
السيد محمد علي العلوي
29 ربيع الأول 1435 هجرية
31 يناير 2014 ميلادية