عقود من التجويع والتجهيل والتعمية والإفقار والإعدام، بعدها جاء فرجٌ وأطيح بطاغية العراق صدام التكريتي وكثير من المجرمين القتلة الذين كانوا معه، وقد كانوا حينها لا يزالون في غيهم يمنعون في طلب الذل والهوان لشعب العراق ما خلا مصفق لهم يدور كالثور في ساقيتهم..
بعد كل تلك المآسي التي عاشها الأشراف المؤمنون من أهل العراق جاء الدور لمخططات التمزيق التي يمارسها الوهابيون التكفيريون وكالعادة بغباء وتخلف لم يعهد منهم غيره، وها هي طاحونة التفجيرات والقتل وقطع الرؤوس تدور في أرض السواد دون توقف.. هذا وفي العراق لا تزال الطاقة الكهربائية تعيش تعاستها فلا يستقيم سريانها في الأسلاك إلا لسويعات ينقطع بعدها كل (مكهرب) فتضج الديار بأصوات المولدات لعلها تعوض تعب الكهرباء (الحكومية)!!
في العراق بلغت قيمة (سندويتش الشاورما) نصف دينار بحراني، والسرير في الفندق مئة دولار أمريكي، وما بينهما يحكيه حال العراق وما مر عليه من بلايا لم تكن لتنقطع ساعة حتى عادت لعقد وعقدين وأكثر، وحق للعراقي أن يضيق صدره من نفسه فضلًا من غيره إنسًا كان أو جان، وهذا هو المتوقع بلا شك، فالعراقي قاسى ما لم يقاسيه غيره، وأكاد أجزم بأنه الشعب الوحيد الذي لم يترأس عليه إلا من يكرهه بل ويحقد عليه من أبناء جلدته!!
ولكن.. في ساعة، ترى في الشارع جملًا مربوطًا في عمود إنارة، وهناك مجموعة من الخراف محصورة في زاوية.. أعداد كبيرة من القدور منتشرة على طول الشارع ونار الطبخ تُعمل لهيبها من تحتها فيستوي الرز وينضج اللحم.. لمن يا ترى كل هذا؟
رجال تملأ وجوههم الشوارب واللحى، منهم الشاب ومنهم الكهل ومنهم الشيخ، وكلهم يفتخرون بشموخ غريب عندما تلامس أناملهم أرجل الزوار لتدليكها والمسح عليها وتنظيفها!!
إطعام يكلف أموالًا طائلة.. مضائف في كل مكان.. خدمة لا يقوم بها حتى العبد في أيام الرق لمولاه..
كل ذلك يقدمه العراقي الشيعي الأصيل لكل من تسمى زائرًا لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام).. فأي سر هذا يا ابن الزهراء؟؟!!
شعب يعاني مر العيش وضيق الحال، ولكنه أمام زوار الحسين (عليه السلام) يتحول إلى نبع من الخيرات والبركات التي عجزت وتعجز وستبقى عاجزة عنها وزارة خصصت لخدمة الوافدين في موسم بعينه!! وزارة بميزانية ضخمة وكوادر مدربة تعجز عن توفير الأمن والراحة لحجاج بيت الله المعظم فيسقط في كل عام ضحايا التدافع والاختناق وآخرها كان حادث (المترو).. أما في كربلاء فلا ميزانية ولا تنظيم دولة ولا رعاية خاصة إلا في حدود ضيقة.. إنه الحسين (عليه السلام) في وجدان الشيعي الموالي الذي يجد نفسه في خدمة كل ما يتعلق باسم سيده المطهر (صلوات الله وسلامه عليه)..
أبا عبد الله.. سيدي.. كلما عقدوا نية لقتلك، كلما انتشرت طوفانًا يغرقهم وغيثًا نرى فيه جنة الله في الأرض.. سيدي أعظيم أنت؟ أم أنك العظمة؟ لا أدري، فما أفهمه من ألفاظ وأوصاف لا أراه إلا حقيرًا سخيفًا أمامك أيا حسين أيها السر الأعظم..
لك سيدي هذه الكلمات فتقبلها ترابًا تحت قدميك..
السيد محمد علي العلوي
11 صفر 1434هـ/ 26 ديسمبر 2012م