لن أكتب مقدمة!!
ركزوا جيِّدًا..
تُنفِقُ الدولُ العربيةُ مجتمعةً ما يُقَدَّرُ بـ 353 مليون دولار أمريكي سنويًا على مجالات البحث العلمي، وتُنفِقُ عليها الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ منفردةً ما يُقَدَّرُ بـ 417 بليون دولار أمريكي سنويًا (لاحظوا، هنا “باء” وهناك “ميم”).
(راجع: أزمة البحث العلمي والتنمية، للدكتور فهد العرابي الحارثي، مدير مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام: http://www.asbar.com//ar/monthly-issues/994.article.htm).
ويذكر الدكتور الحارثي أيضًا “وفي إحصائيات صادرة عن الجامعة العربية في العام 2006م أنه يقابل كل مليون عربي 318 باحث، في الوقت الذي تصل فيه النسبة في الغرب إلى 4500 باحث لكل مليون شخص”!
ثم قال: “تشير التقارير الصادرة عن منظمة اليونسكو للعلوم والثقافة في العام 2008م، إلى أن الدول العربية تنفق 14.7دولارا على الفرد في مجال البحث العلمي، بينما تنفق الولايات المتحدة 1205.9 دولار لكل مواطن، والدول الأوروبية حوالي 531 دولار”!!
ملاحظة مهمة: (أرجو من القارئ الكريم الرجوع إلى الرابط الإلكتروني وتتبع المصادر التي يُرْجِعُ إليها الكاتب).
لا أدري إنْ كان قلبُكَ قد انقبض واعتصر أم أنَّك لا تزال تتنفس بشكل طبيعي، فما تقوله هذه الإحصاءات أمر مخيف مِنْ جهتين، فهي من جهة توقِفُنا على واقع مُزرِي نعيشه بالفعل، ومن جهة أخرى فإنَّها تنفتح بنا على مستقبلٍ أكثر مزْرَاةً مالم تقومُ قاماتٌ ناهضةٌ من المجتمع لمعالجة هذا الواقع المُتَعَفِّن والمُتَقَرِّح (آسف جِدًّا، فلم أجد تعبيرًا أفضل من هذا).
لا يشغلني الحال بقدر ما يشغلني البحث في الأسباب التي أوصلتنا إلى هذا المستوى المرعب من التراجع العلمي، فنحن وكما يقول القرآنُ وأحاديثُ أهل بيت العصمة (عليهم السلام)، وكذا يُعَلِّمُنا الخطباءُ والوعَّاظُ والمبلِّغُون، إنَّنا أمة (اقرأ) و(القلم)، وطالما ترسَّختْ في عمقنا الثقافي صورةُ الخسران المبين الذي ينتظر غير المسلمين!
نُسَلِّمُ بذلك، فالله تعالى يقول (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، ولكن الكلام في:
لماذا يتقدَّمُ علينا (الخاسرون) كُلَّ هذه (السنوات الضوئية) من العلم والمعرفة حتَّى أصبحوا المتحكِّمين تمامًا بالمعادلات الثقافية في العالم سياسيةً واقتصاديةً وتربوية وغيرها؟
أقول وبالله أُسَمِّي..
ليس الغرب ودوله المتقدمة على صواب، ولا نحن ودولنا المتخلفة من الخزي ناجون، ولك البيان:
صادَمَ الغربُ بين الدِّين وبين العلم والدولة، فنجح في الأخيرين وفشل في الأول وما تتبعه من مفاهيم مُهِمَّة، وأمَّا العرب فقد أخذوا الدين وفهموه فهمًا مقلوبًا مشقلبًا منكوسًا، ففشلوا في الاثنين معًا.. لا دين صحيح ولا علم ولا دولة!
عندما نتحدَّث عن الإسلام فإنَّنا في الواقع نتحدَّث عن دين (الله)، والله تعالى هو العلم والمعرِفة والحِكمة، فهو الخالق لِكُلِّ هذا الوجود بمعارفه، وليس من المعقول أنْ ندين بدينه ثم ننغمس في مختلف مقدِّمات التخلف من كسل وبلادة في العلم والريادة، ونشاطٍ وهِمَّةٍ في التنازعات والتحارب!
في تصوري أنَّ الإنسان العربي هانت عليه نفسه فقبِل بالعبودية للقوي دون قبولٍ بمناقشة الأمر بأي شكل من الأشكال، ولذلك فلا نجاة له ولا نهضة ما لم يشعر باحترامه لنفسه، وهذا ما يؤسس له الإسلام الصحيح بثقليه المُقدَّسين.
قال تعالى: (وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ)، فلا طريق لاكتساب المعارف الحَقَّة إلا بالعلم والوعي مقدمةً لفهم العمران واستيعاب التجارب التاريخية للانطلاق منها إلا إبداعات علمية في مختلف ميادين الحياة، ولذلك كان العلم فريضة على كل مسلم ومسلم، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله).
نحتاج إلى أمور:
1/ أن نحترم أنفسنا ونُقَدِّر وجودنا.
2/ أن نعرف كيف نفكر.
3/ أن تكون القراءة والمحاورات والمتابعات والتتبعات العلمية والمعرفية شرفًا وكرامة، لا ترفًا وهواية!
4/ أن نتعلَّم الإبداع وإتقان الانطلاق من الفكرة لاستثارة الأذهان والخروج إلى العالم بأفكار ونظريات وأطروحات جديدة.
5/ أن نسحق تمامًا أصنام الخوف والتردد في ميادين البحث العلمي، وهذا وبكل تأكيد لا يعني الجرأة و(الوقاحة) في مقابلة الآراء وما نحو ذلك من أدوات النظر.
6/ أن نحذر التصنم على العقبات وما في حكمها، بل المطلوب أن تكون منعشة لبواعث العمل والإقدام بإبداع أكبر.
7/ أن لا ننتظر ثمنًا لأفكارنا وما نقدم من نظريات وأطروحات أكبر من ظهورها لعالم الإنسان.
وأُغْلِقُ القوسَ بِثامِنَةٍ، هي: القِراءةُ ثُمَّ القِراءةُ ثُمَّ القِراءةُ، ولا ينبغي أن يشغلنا عنها غير الأهم الذي لا يحتمل التأخير، وإلا فهي المقدمة دائمًا؛ والسبب أنَّ في القِراءة جمع للعقول بتنظيمٍ وتسلسلٍ تَكْفَلُ اتساقَه دِقَّةُ الترتيب ومعرفة الهدف ووضوحه.
وكلمة أخيرة، أقولها بكل وضوح وألَمٍ وأسف:
إن لم نشعر بِعِظَمِ وهول الكارثة، فلا شك في أنَّ الحاجة أمست ضرورية إلى فريق متخصص ماهر يُتْقِنُ معالجة هذا النوع من الأمراض.
السيد محمد علي العلوي
9 من ذي الحجة 1435 هجرية
4 أكتوبر 2014 ميادية