هل يخفى على القارئِ الكريمِ ما للثِقَةِ بين الناسِ مِنْ دورٍ بل أدوارٍ في بناءِ المُجتَمَعِ بناءًا صالِحًا مُسْتقيمًا؟
لا يُمكِنُ أنْ يكونَ هذا خافيًا على الأحياءِ بفِطرَتِهم السليمة، فالإنسانُ يطمئِّنُ وتستَقِّرُ نفسُه لِنُظرائِه من الأُمناءِ الصادقين الطيبين المتألقين بإنسانيتهم والراقين بآدميتهم عن عالم التكالب والتكافخ.
ولذلك يستمر البحث من الإنسان عن صديق يسكن إليه، فلا يشعُرُ بِغُرْبَةٍ عند ضيق ولا بضياع حين فرح..
يبْحَثُ عنْ صديِقٍ يَصْدُقُه وقتَ النصيحةِ ويُصَدِّقُه في الحق وإنْ كذَّبَه العالمون، وعلى هذه المعاني نُظِم شِعْرٌ ورُسِمَتْ لوحاتٌ ونُحِتَتْ أحجَارُ.
وهُنا ينْبَغِي لنا أنْ نعيَ جيِّدًا بأنَّ الصاحِبَ ليس بالضرورة أن يكون صديقًا، فالصداقة حالة راقية أضيق دائرة من الصحبة، ولست أُبالغُ لو ادعيتُ نُدْرَتها عن الكبريت الأحمر!
هي موجودة، ولا أشك في ذلك، ولأنَّها ياقوتَةٌ غاليةٌ تحمِلُها هالةٌ نُوريَّةٌ مِنْ الصِدقِ العزيز، فإنَّها أمستْ مطمعًا لألوان العلاقات الاجتماعية وصنوفها تتلبسها دون خجلٍ ولا استحياء.. ولكنَّها تبقى متفرِّدةً رغم تكاثر الطفيليات من حولها.
فلنحذر..
يدَّعي الصداقةَ بل و(الذوبان) في علاقته مع الآخر، ويكون على استعداد للبذل والعطاء وربما التضحية في سبيل من يدَّعي (صداقته).. ثُمَّ..
دارتْ الأيَّامُ وعُجِنَتْ الأحداثُ في ظرفِها فكان خِلافٌ وربَّما افتِراقٌ، وقد لا يكون أكثر من بُعْدٍ عادي، وإذا بذاك (الذائب) بالأمس يركبُ ظهرَ المَنِّ والتعيير، وأكثر من ذلك إنَّه يتحدَّثُ بالسُّوء عن (صديقه) بعد انتهاء مُدَّة الصلاحية لـ(صداقتِهما).
سَاعَده يومًا بِمبلَغٍ مادِّي، وليس بطلَبٍ على الإطلاق، ولكنها كانت مبادرة مِنَ (الذائب) نفسه، ولكنه اليوم يطالبه بل ويلاحقه وعن قريب قد يفضحه بأنْ يشيع سِرًّا أسرَّه إليه عندما كان (الذوبان) مسيطرًا!
لا يفعلها الصديق.. لا يفعلها لأنه صادق في إنسانيته، فسواء استمرت الصداقة أم تلاشتْ، فما أُسِرَّ إليه يبقى سِرًّا، وما قدَّمه لا يَمُنُّ به ولا يُراجِعُ عليه، وهذا النوع من (الصديق) هو العزيز فعلًا.
إنني أوجه رسالة هذا المقال إلى الشباب خاصَّةً، وأُعَين البنات أكثر من الأولاد؛ إذ أن البنت تنجذب سريعًا لصاحباتها، وتستعجل الحديث عن خصوصياتها وعلى مستويات مختلفة، ولأن الأعمار لا تزال حديثة، فإن زَلَّةً من إحداهنَّ قد تهدم مستقبل أخرى، وما أكثر العصبيات الشبابية التي دمرتْ أُسَرًا في لحظةِ طَيشٍ وسُوءِ تقديرٍ.
أرفضُ جِدًّا ثقافة (الذوبان) حتى بين الزوجين، فمهما بَلَغَ الحُبُّ والوِئامُ مِنْ درجاتِ الترقِّي، فإنَّه لا يصح منْ الإنْسان أن يستغني أو يتنازل عنْ نمطٍ مُعيَّنٍ من خصُوصيَّاته، وهذا هو الطبيعي وهو ما ينبغي أن يكون دائِمًا حتى بين الزوجين، ولتَكُنْ حاضرةً عند الجميع حقيقة أنَّ من الأسباب الرئيسية للمشاكل الزوجية التهاون في المحافظة على خصوصية كل واحد من أفراد الأسرة، وهذا التهاون يُنْتِّجُ حقوقًا ما أنزل الله بها من سلطان، وعند التخلف عنها تظهر المشاكل وتتفاقم الخلافات وتتعقد الأزمات، والحال إنها ليست من الحقوق أصلًا، غير إنَّ التداخلات المصطنعة خلقتها وفرضتها واقعًا خاطِئًا بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
فلنركز التفكير في إن الحذر من العدو يأتي متناغمًا مع كونه عدوًّا، فالأمر لا يستدعي أيَّ شيء خارج المعادلات الطبيعية، ولكنَّ الذي نحتاج إلى الأخذ بناصيته جيِّدًا هو الكيفية التي من المفترض أن تكون في الحذر من (الصديق)، أو من نظنُّه (صديقًا)، وهذا لا يعني على الإطلاق أنْ لا نَثِقَ في الآخر، ولكن المطلوب هو الاهتمام بضرورة المحافظة على الخصوصيات وأنْ لا نعطي لأحدٍ ما يمكن أن يكون خنجرًا بيده لو دارت الدوائر.
وفي الأخير همسة:
قدْ تكونُ الطعنَةُ مِنْ صديقٍ.. ورُبَّما أنقذك مِنَ الموتِ عدوٌّ.. وها أنت ترى الفقيرَ يَتَصَدَّق، والغنِيَّ يرتشي!!
هكذا أرادها الإنسانُ، فاحذر الأكثر، وكُنْ مع القِلَّة الصادقة..
مهمَّتي وإيَّاك البحث عنها، فإنها موجودةٌ وقدْ تكونُ قريبةً..
السيد محمد علي العلوي
6 سبتمبر 2014
11 من ذي القعدة 1435 جرية