الإنسانُ كائِنٌ حيٌّ مدرِكٌ (اجتماعيٌّ)، وإذا ما اعتزلَ إنسانٌ مُجْتَمَعَ (الآدميين) فإنَّه حينها موضوعٌ (حيويٌّ) لعلم النفس الذي يتكفل البحث في عموم الحالات التي تعرض على النفس، وفي الغالب فإنَّ العُزلةَ طريقٌ لاكتشاف أمراض وعقد نفسية.. وربما، حِكْمَة..
فالإنسانُ كائِنٌ حيٌّ مدرِكٌ (اجتماعيٌّ)..
في تصوري إن الحيوانات لا تختلف عن الإنسان في حيثية (الاجتماع)، فهي أيضًا تعيش في (قطعان) يَتَمَيَّزُ كُلُّ واحدٍ منها عن الآخر بنوعه الحيواني، فهذا قطيع من الأسود، وذاك قطيع من الفِيلة وثالثٌ من الغزلان ورابِعٌ من الجواميس، وهكذا..
وبالرغم من هذا التمايز إلا أننا نجِدُها قادرةً وفي حدود معيَّنة على التعايش ما دام الشَبَعُ!
تعمل الحيوانات في مجتمعاتها بطبيعة واحدة أُعَنْوِنُهَا بـ(البحث دائمًا عن أسباب العيش)، فهي تتزاوج وتتوالد وتنام وتطعم وتُرَوِّحُ عن نفسها باللعب والمزاح..
ثم إنها تعيش نزعةَ التملك والاستبداد بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فالطير في عِشِّه والنملة في جحرها والسبع في عرينه.. والضبع مع جيفته..
نَمَطٌ معيشيٌّ واحِدٌ لا يَخرِمُهُ شيء، بل هو صامِدٌ تمامًا أمام كُلِّ الظروف، فالسبع لا يزال مُمَزِّقًا لأوداج الغزال وبنفس الطريقة المعتادة، وهذا الأخيرُ يُصِرُّ منذ آلاف السنين على أن يكون مُمَزَّقًا تحت مخالب وأنياب السبع..
وقِسْ على ذلك مشاهد تتكرر..
مشكلة (الإنسان) إنَّه يتألم من سباعِ وضباعِ و(خنازير) وكلابِ.. البشر، ولكِنَّه (كائِنٌ مُدرِكٌ) وإدراكُه يطلبُ مِنه البحث عن الأمان والسلامة من مجتمعات غابوية تَتَقمَّصُ الآدمية..
يَفْشَلُ.. إذ لا حَلَّ إلا بالصبر وتحمُّلِ الوجع، وإلا فالاعتزال، وإن اعتزل فإنَّه واللهِ (بكسر الهاء) معذور!!
كُلُّ ما يجري في عالم الحيوانات مقبول، فإنها في نهاية الأمر مفطورة على ما هي عليه، ولا تُدْرِكُ فضاعةَ أن يَضُرَّ مخلوقٌ حيٌّ بآخر..
حيوانات، وماذا تقول.. لحيوانات؟
ولكن أنْ يَنْشُبَ إنسانٌ (أمراضَه) في قلبِ إنسانٍ آخر، فهذا ما لا يُفَسَّر إلا أن يكون أحدُهما أو كلاهما (حيوانًا)..
لا، لا.. فالقرآن يستدرك على التشبيه، فيقول: (بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)، بعد أن قال: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ)!
أذكر لكم قصة بإيجاز (شديد)..
منع أحَدُ (المؤمنين) مسجدًا عن مجموعة (مؤمنة) أخرى تريد عقدَ حلقات في تفسير القرآن، والسبب أنَّ في هذه المجموعة (المؤمنة) من يُقَلِّدُ مرجعًا دينيًا على غير (خَطِّ) القائمين على المسجد!
اتصل بي أحد الأخوة من المجموعة (الممنوعة) يستشِيرُني في الردِّ على (المانع)، فكان رأيي أنْ احذر ثم احذر وحاذر، فليس ببعيد أن تُشَوَّه سمعتك وتُغرَز الخناجِر في رئتك.. (قربة إلى الله تعالى) و(حماية) للمجتمع (منك)!
تعال..
لا تُعرِض بوجهك عني، فهذا واقع نعيشه، وما ذكرتُه إنما هو الأقل والأبسط، وإلا فالسالِمُ من مخالب وأنياب (المتأنسنين) قليل.
هناك رجُلٌ أو شابٌّ، وهناك امرأةٌ أو فتاةٌ، وكُلٌّ منهما يُصِرُّ على تشويه سمعة الآخر بعد محاولات (حُبٍّ) فاشلة، ولم يفكر واحدٌ منهما في أهل الآخر وذويه ومستقبله، فالمهم والأهم أن يشتعل الاثنان مع أمراضهما، ولا أهمية لأي نتيجة!
تَحَوَّلَ جانِبٌ كبيرٌ من مجتمعنا (البشري) إلى سُوحٍ للانتقام والتنازعات بما لا يرتكبه الحيوان في حقِّ (أخيه) الحيوان!!
لِمَ كُلُّ هذا الألم؟ لِمَ كُلُّ هذه الأوجاع؟
مِنْ أجلِ ماذا؟ مِنْ أجلِ مَنْ؟
فلنُسَّلم بأنَّ هؤلاء (المرضى) لا يريدون العلاج ولن يتغيروا، إذًا فانعزلوا بأمراضكم عن الأصحاء..
تَوَقَّفُوا عن امتهان صناعة (الجراح)، فمِنَ القلوبِ قلوبٌ لا تفهم لُغَتَكم الصماء الفوضوية المزعجة المظلمة، ولا يريد لها مجتمعُ (الإنسانية) أن تفهمها..
ثم إنْ أرَدتم وأحببتم، ففكروا جِدِّيًا في أمر معالجة أنفسكم، فتريحون وتستريحون.
…………………………………………………
فَكَّرَ في إلغاء كل وسائل التواصل الاجتماعي (الإلكترونية)، فهو لا يريد سيول الأخبار الكاذبة، وقد تَعِبَ من صرصر التنازعات العاتية، وأنهكته حملات التشهير بهذا والنيل من ذاك..
لم يعد ليحتمل هذا الفيضان في التسافل الأخلاقي والانحدار القيمي والاعوجاج السلوكي، فهل يكون (متخلِّفًا) لو رجع إلى (تيلفون أبو ليت)؟
السيد محمد علي العلوي
25 شوال 1435 هجرية
22 أغسطس 2014 ميلادية