وهذا مثال..
أن يقوم (قوم) بشن غارة على (قوم) لطردهم وتشريدهم والاستيلاء على أموالهم، فهذه رذيلة بلا كلام..
وأن يقوم (متخصصون) من (قوم) بمهمة قطع الطرق وسلب الناس أملاكهم وربما ذبح الرجال وسبي النساء، فهذه قبيحة ولا كلام..
هذا ما نهمه ولا نشعر بحاجة إلى مناقشة إحتمال أن تكون الرذيلة فضيلة أو أن ينقلب القبح حسنًا، غير أن الواقع يشير بوضوح إلى أن القبائل والعشائر البدوية تتفاخر بالغارات وقطع الطرق وسلب العباد و(المهارة) في الإفساد، ثم أن نفس هذه القبيلة أو العشيرة تُكتب فيها المطولات مدحًا وثناءً على كرمها وغيرتها على ضيوفها وخصوصًا (المداخيل) منهم، وهي هي نفسها تمقت السرقات واستعباد الناس وأكل المال بالحرام!!
لا يتوهمن البعض بأن في هذه الحالة دلالة على نسبية الحق في قبال الجور، والخير في قبال الشر، والفضائل في قبال الرذائل.. ليس الأمر هكذا أبدًا، فالخير قيمة ثابتة، ومثله العدل والفضل، لا يؤثر في قيميتها لا مكان ولا زمان ولا ظرف، ولكن مثل هؤلاء الذين بهم ضربت المثال نشأوا منذ أن كانوا في أصلاب آبائهم على أن الغارة مفخرة وقطع الطريق بطولة وقطع الرؤوس غيرة وسبي النساء نُبْل.. وهكذا هي عقول قد تركبت بنواقض صريحة لطبيعة الإنسان وفطرته السوية..
دعنا من هؤلاء، ولنتحدث قليلًا عن المدينة..
تركبتْ أو صِيغتْ عقلية (زيد) على أن (نادي الزمالك) لا يمكن أبدًا أن يحب (النادي الأهلي)، وتركبتْ أو صِيغتْ عقلية (بكر) على أن (النادي الأهلي) لا يمكن أبدًا أن يحب (نادي الزمالك)..
من الواضح أن التقارب والمودة والمحبة بين (الناديين) غير ممنوعة لا عقلًا ولا شرعًا على الإطلاق، ولكن ثقافة (التباعد والتنافر والتضاد) التي نُشِرتْ بين الناس قد أصبحت مصنعًا للتدليل على صحتها، كيف لا وهم يتحركون من منطلقاتها ويتنفسون حروفها ويعيشون على مفرداتها؟
قِسْ –مطئنًا- على ذلك أيها القارئ الكريم، فمن ينغلق على ثقافة معينة فإنه لا يتمكن من رؤية غيرها فضلًا عن تصحيحها، وإن ادعى الانفتاح فإنه يُجَيِّرُ كُلَّ شيءٍ لصالح ثقافته التي تشربها ثم انغلق عليها، والأمثلة على ذلك لا أكاد أحصيها..
نعم، نحن نرفض الأفكار القبيحة ولا نناقش فيها، والسبب ليس الانغلاق على ضدها، بل هو الإيمان بوجود ثوابت وقيم لا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال، فالنسبية الأخلاقيات والقيم أمر غاية في الخطورة ولكنه يُرَوَّج إليه بقوة هائلة.. والستَّار الله..
ولكن الكلام في الإطار الإنساني العام المؤهل تكوينًا لاستيعابي واستيعابك واستيعابها مادمنا نلتزم الضوابط القيمية الواضحة، فاختلافاتنا في داخل هذا الإطار العام لا ينبغي أن تواجه بغير التقبل والتماس التكامل بين الجميع، وأما أن ينغلق الفرد أو الجماعة أو التيار أو الحزب على نفسه في داخل نفس هذا الإطار فإنه لا محالة سوف ينظر إلى الآخرين على أنهم خوارج ولن يفهم غير ذلك، وبالتالي فهو الذي يُخرِجُ نفسه ليتحول كأولئك الذين يتفاخرون بالغارات وقطع الطرق والسلب والنهب والذبح وإبانة الرؤوس عن أجسادها.. بلا فرق في الفهوم أبدًا..
السيد محمد علي العلوي
25 ربيع الأول 1435 هجرية
27 يناير 2014 ميلادية