النجاة في التمسك بالمعصوم (عليه السلام) سواء كان في أُحُد أم في صلح الحديبية أم في صفين، فالمعصوم (عليه السلام) هو الثقل الذي يصنع مع صاحبه (القرآن الكريم) طريق الهداية ودرع الوقاية، ولو أن المسلمين التزموا (ما إن تمسكتم بهما) لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم.. (وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ).
كيف نفهم (التمسك) بالثقلين؟
خلق الله تعالى الخلق ومنه (الإنسان) ليكون خليفة له في الأرض، ولتجنيبه الضلال والغواية بعث فيه مجموعة كبيرة من الأنبياء والرسل والأوصياء كان خاتمهم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله)، والغاية كما يصرح بها القرآن الكريم (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ)، البشرى والنذر نتاج آلية رسالية واضحة يبينها الله تعالى في غير مكان، منها (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ:
1- يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ
2- وَيُزَكِّيهِمْ
3- وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ
4- وَالْحِكْمَةَ
“وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ“)
فالإنسان إذا أراد الفهم الصحيح والتعاطي القويم مع قاعدة (مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ) كان عليه أن يطلب المفاتيح العلمية المقررة في مطلع سورة الجمعة (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ)، (يُزَكِّيهِمْ)، (يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ)، (الْحِكْمَةَ)، ولو أنهم أخذوا بها في أحد (لما خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله)، ولو أنهم أخذوا بها مع الإمام الحسن عليه السلام، لما قيل له “السلام عليك يا مذل المؤمنين”، ولو أنهم أخذوا بها مع الإمام الحسين عليه السلام لانقلبت الآية وكانت الأمة معه في قيامة ضد الملاعين..
في صفين، كشف الإمام علي (عليه السلام) لمن معه ألعوبة رفع المصاحف التي قادها عمرو بن العاص ومن ورائه معاوية بن أبي سفيان، والتي انتجت منعطف (التحكيم)، وقد روج ودافع عن هذا الأخير رجال من أهل (الحل والعقد)، ولو أن الجماهير كانت ممن قام بنيانها على (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ)، (يُزَكِّيهِمْ)، (يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ)، (الْحِكْمَةَ)، لكانت طبيعة التواصل الثقافي والعلمي بينهم وبين (أهل الحل والعقد) مختلفة جدًا، وليس ببعيد أن تتغير توجهات (الكبار) ويقع اختيارهم على الهداية والانتصار لعلي أمير المؤمنين (عليه السلام) عن علم وفهم.
مثال تقريبي:
في المدرسة أو المعهد أو الجامعة أو الحوزة، إذا كان الطلبة على مستوى من الإدارك والانتباه، ويقومون بالتحضير لدروسهم بشكل منتظم، فإن المعلم سوف يكون أمام خيارين:
الأول: أن يكون على مستوى متقدم من الاستعداد العلمي لمواجهة أي إشكال أو نقد يطرحه الطلبة.
الثاني: أن يَعزل نفسه بنفسه تجنبًا للخزي إن انكشف جهله وتفوق طلبته عليه.
فالقوة العلمية للطالب لا تتوقف على قدرة المعلم بقدر ما هي متوقفة على استعداداته العلمية والثقافية التي يقوم بها نفسه والمعلم.
في صفين كان التأكيد على قاعدة علمية اجتماعية هي: (ليس من منعطف إلا وتكون الجماهير هي التي تصنعه، والأمر دائمًا باختيارها أصلًا).
الجماهير تغلب إما بجهلها وإما بعلمها، فالنتيجة أنها المؤثر الأصل في أي تحول اجتماعي، بل وحتى سكوتها على القهر يكون سببًا في انتشاره وتمكين قوائمه، وهكذا كان الحال في صفين وغيرها.. في كل مكان..
فلندقق قليلًا..
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): “ولغدوة في طلب العلم افضل من مائة غزوة , ولا يخرج احد في طلب العلم الا وملك موكل به يبشره بالجنة , ومن مات وميراثه المحابر والاقلام دخل الجنة”، وقال (صلى الله عليه وآله): “أفضلكم، أفضلكم معرفة”، وأيضًا: “من سلك طريقا يلتمس علما سلك به طريق الجنة”، وكلذلك: “إن الفتنة تجيئ فتنسف العباد نسفا وينجو العالم منها بعلمه”، وقال (صلى الله عليه وآله): “إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العالم”، وقال الإمام علي (عليه السلام): “أقل الناس قيمة، أقلهم علمًا”.
لماذا هذا الإصرار على العلم وطلبه؟ وما هو دور العلماء في المجتمع؟ وما هو مقام ودور مراجع التقليد؟
هذا ما نناقشه في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى..
السيد محمد علي العلوي
2 من ذي الحجة 1434 هجرية
8 أكتوبر 2013 ميلادية