لا بد من الإشارة أولًا إلى أن جماهير المؤمنين كانت تأمل من السادة العلماء الأفاضل في البحرين العمل على حسم أمر الهلال باكرًا، فالمباني الفقهية عندهم واضحة ومن المفترض أو المتوقع أن تكون تحت عنايتهم فرق استهلال معروفة بأشخاصها الثقاة العدول، بالإضافة إلى سهولة تواصلهم مع الدول الأخرى مهما بعدت، وعليه فسويعات قليلة بعد الغروب كافية للبت في الموضوع وحسمه في بيان واضح ومباشر يخاطب به عامة الناس بلسان سهل بسيط، ولكن الذي شهدناه ليلة البارحة كان على خلاف المأمول تمامًا، وسواء عُذِرَ العلماء المتصدين أم لا فالمسألة تحتاج منهم أو من الكوادر العاملة معهم إلى حملة توعية مكثفة تبين للجماهير أبعاد القضية بالكامل من المباني الفقهية وطبيعة الاختلاف إلى الشهادة مرورًا بآلية التداول وما شابه، فالناس اليوم ليسوا كالأمس من حيث المتابعة وتلقف الأخبار، زد على ذلك التحولات الثقافية التي قد تجعل من قضية الهلال مرتكزًا لانطلاقات تستهدف الدين والمتدينين والطبقة العلمائية خاصة.
هذه مشكلة، وأما الثانية فحالة التوتر التي تتملك الناس من بعد إفطار الليلة المحتملة، وهي ما نعبر عنها بلهجتنا العامية حالة (الربشة) حتى تشعر بأن كل الحياة اختزلت وحصرت في الهلال، هذا ومن المفترض أن تكون لكل واحد من المؤمنين موازين ومعايير ثابتة لا تهمه معها كثرة الأقاويل، فليلة البارحة –مثلًا- كنت انتظر بيان المجلس العلمائي الذي إن جاء فيه إثبات للرؤية المجردة فهذا ما أنا عليه من المباني الفقهية بحسب مرجع تقليدي، وإن لم تثبت فأنتظر خبرًا من جهة أخرى معينة أثق بها، وبذلك لا أجد في نفسي اضطرابًا أو ماشابه على الإطلاق.
لأخواني وأخواتي من المؤمنين والمؤمنات أقول: عندكم سنة كاملة من اليوم حاولوا فيها فهم المباني الفقهية الخاصة بهذه المسألة ولو إجمالًا، وعلى أية حال هي سهلة ولا تعقيد فيها، ثم قرروا لأنفسكم مصدرًا أو مصدرين لاستقاء الأخبار ولا تشتتوا عقولكم وبالتالي جهودكم بين هذا وذاك، وليس من داع للتوتر والإرباك و(الربشة).
وأما المشكلة الثالثة فهي سيالة منذ القدم.. إنها إصرار الكثير من الناس على الخفة في التعاطي مع الأخبار غير الموثقة والمفتقرة إلى المصدر الواضح، وهذه مشكلة طالما عانينا منها إلا أنها البارحة برزت بشكل متعب جدًا، فقضية الرسائل الهاتفية النصية من (واتس أب) وغيرها إضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي المزدحمة بالأسماء المستعارة غير المعروفة جعلت من الأخبار كرصاص (الشوزن) الذي ينتشر في لحظات وتستقر كل كرة منه في عمق من الجسد لتحدث به أضرارًا كبيرة.. هكذا هي الأخبار مع إصرار الكثير من أخواننا على تسجيل (سبق صحفي) بسرعة (Copy – Paste – Send) وتتكرر العملية دون إحساس بمسؤولية نقل الخبر وكأننا في ساحة سباق!!
فليلاحظ الأحبة أن للجهات المعنية من مرجعيات ومجالس علمائية مواقع وحسابات خاصة على شبكة الإنترنت ليس من الصعوبة الوصول إليه كما وأنه من السهولة جدًا النقل عنها مع إرفاق رابط الخبر، ولذلك فإنه لا مبرر لتناقل أخبار من هنا وهناك والتأثر بها، كما وأنه ليس من المقبول من أي عاقل أن يقبل بخبر يفتقر إلى مصدر موثق مثل الروابط الإلكترونية المباشرة.
بلى، أسلم وأتفق على أن ما حدث البارحة كان مزعجًا يستدعي الإلحاح على السادة العلماء الأفاضل بالإجتهاد لخلق آلية واضحة تكفي الناس شر هذه المتاعب، وإن لم يتحقق ذلك فإن (ربشة) الناس تبقى غير مبررة أبدًا.
السيد محمد علي العلوي
30 من شهر رمضان (غرة شوال) 1433هـ
19 أغسطس 2012م