إثارة في العقيدة/ ٦:
المبدأ الأول.. وجود مطلق.. قمة معرفته في ذروة تنزيهه..
نعلم جيدًا بأن المجانسة شرط في العلية، فلا يمكن لمعلول أن يكون راجعًا في علة وجوده لما لا مجانسة مطلقًا بينه وبينها، ونحن عندما نتحدث عن المبدأ الأول وهو الوجود المطلق والمنزه تمامًا فإننا في الواقع نتحدث عن حقيقة الحقائق مطلقًا، وهذا هو مبلغ علم العالمين ونور حكمة الحكماء، وبالتالي:
فإن صدور هذا الخلق الدوني عاجز أن يكون عن ذلك المبدأ جليل الجلال بدون علة متوسطة مستغنية بوجهين:
الوجه الأول: وجه إلى الأعلى لا نتمكن من إدراكه لأنه خارج حدودنا العقلية أصلًا، وعلاقته المباشرة مع المبدأ الأول.
الوجه الثاني: وجه إلى الأسفل هو الموكل بهذا الخلق العريض وجودًا وعناية.
إننا لو فرضنا الخلق الأول خلقًا دونيًا تمامًا فنحن حينها نعود إلى نفس المشكلة مجددًا، وهي مشكلة النسبة بين الدوني مطلقًا وبين العلوي مطلقًا، وجوهرها انتفاء المجانسة مطلقًا.
وإن فرضنا الخلق الأول خلقًا علويًا مطلقًا فإننا نقع في مشكلة عظيمة جدًا وهي تعدد المبادئ، إذ أن المطابقة بين المبدأين هي في الواقع تكرر للاستغناء المطلق، والفرض أن أحدهما معلول للآخر، وهذا خلف صريح.
وبالحصر العقلي لا يبقى عندنا إلا أن يكون الخلق الأول ذا جهتين حقيقيتين، إحداهما في حدود إدراكاتنا المعرفية وقد أسميناها (الوجه الأسفل)، والأخرى خاروج حدود إدراكاتنا المعرفية وأسميناها (الوجه الأعلى).
هذا الخلق الأول ذو الوجهين نسميه (العلة المتوسطة)، وبدونه لا يمكن لفكر عقائدي أن يستقيم بلا تناقضات وتخبطات، وهذا ما سوف تعرفه عاجلًا إن شاء الله تعالى من خلال الإثارات القادمة، فلا تعجل..
السؤال الآن:
ما هي هذه العلة المتوسطة؟
ما هي طبيعتها؟
ما هي علاقتنا بها؟
ما هو مقامها؟
والأهم: كيف (نعرفها)؟
فلنفكر حتى يحين موعدنا غدًا إن شاء الله تعالى..
محمد علي العلوي
٩ جمادى الآخرة ١٤٣٥ هجرية