تُتَداول هذه المقولة بأكثر من تعبير، منها: “لا تُؤدِّبُوا أولادكم بأخلاقكم؛ لأنَّهم خُلِقُوا لزمان غير زمانكم”. ومنها: “لا تُكرِهُوا أولادكم على آثاركم؛ فإنَّهم مخلوقون لزمان غير زمانكم”. ومنها: “لا تقسِروا أولادكم على آدابكم؛فإنَّهم مخلوقون لزمان غير زمانكم”. وقد نَسَبَها أحدُ شارحي نهج البلاغة، وهو الشيخ عبد الحميد المُعتَزلي لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، إلَّا أنَّها، وبحسب التتبع، ليست ممَّا قاله (عليه السلام)، ولا توجد في كتبنا الحديثية، لا المعتبرة ولا غير المعتبرة، ولا القديمة ولا الحديثة!
وجدتُ بعضهم يُرجِعها إلى بعض فلاسفة اليونان؛ فقيل: سقراط، وقيل: أفلاطون، كما في الملل والنحل للشهرستاني، والتذكرة الحمدونية لابن حمدون.
ربَّما ساعدتْ هذه المقولة على تقوية العقلية التبريرية التي تسعى حثيثًا لفصل الأجيال عن الأصول القِيَمِية الثابتة، ما أدَّى إلى طروء حالة من التهافت في القناعات النفسية والاجتماعية الطبيعية التي تدفع الآباء بشكل تلقائي وبدون أدنى تكلُّف ليكونوا واسطة في التباني الثقافي والأخلاقي والسلوكي بين آبائهم وأولادهم.. وهنا أمر في غاية الأهمية.. ترجع الكثير من أصولنا وأدبياتنا السلوكية إلى أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، ما يوجب التمسك بها واعتمادها أُسُسًا لكافَّة بناءاتنا الأدبية والأخلاقية.. لذا، فحتَّى مع التسليم بصحة مضمون “لا تقسِروا أولادكم على آدابكم فإنّهم مخلوقون لزمان غير زمانكم”، إلَّا أنَّه لا يصحُّ الأخذ به على إطلاقه، بل من الصحيح قصره على الآداب العادية التي أنشأتها الظروف الثقافية والاجتماعية المتغيرة.
فلننتبه.. إفساحُ الصغار للكبار في المجالس أدبٌ إسلاميٌّ ثابت.. مشاركةُ الناس لبعضهم البعض في الأفراح والأحزان أدبٌ إسلاميٌّ ثابت.. والكثير جدًّا ممَّا له أصلٌ في إسلامنا العظيم، فلا ينبغي تركه بحجَّة “لا تقسِروا”.. خصوصًا بعد عدم ثبوته حديثًا عن معصوم.
تاريخ المنشور: 20 يوليو 2019 للميلاد