أعظَّم الله لكم الأجر..
إن كان في الترجِّي ثمرةُ مرجوة، فإنَّ أخاكم يرجوكم غاية الرجاء، أن تفرِّغوا أنفسكم وأذهانكم لقراءة هذين النصَّين المهمَّين، وخصوصًا في مثل هذه الأيام التي أصبح فيها السلطان للفتنة، والقوة للفرقة، والهيمنة للتمزق، وكله باسم الدين وتقواه!
أصبح التهجُّم على المرجعيات الدينية دينًا، وصار تمزيق المؤمنين من المؤمنين وسيلة يُتقرَّب بها إلى الله، فلا حرمة لعالِم ولا احترام لمؤمن، وكل التهم المتبادلة تهم من العيار الثقيل جدًّا..!!
قال الله تعالى في محكم الذكر الحكيم: (وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).
لو كان أميرُ المؤمنين (عليه السلام) بيننا اليوم، فما هو موقفه من هذه الخلافات التي تطحننا؟
هل سيُعلِن عن موقف واضح، أو أنَّنا سنكرِّر معه سُنَّة من أحرقوا قلبه بجهالاتهم؟
فلندقق، ولنتدبر، ولنفكر بتجرُّد من غير الاستفادة مما نقرأ..
يقول ابن أبي الحديد المعتزلي: وقد رُوي أنَّ أمير المؤمنين (عليه السَّلام) لمَّا اجتمعوا إليه بالكوفة، فسألوه أن ينصب لهم إمامًا يصلِّي بهم نافلة شهر رمضان ـأي التراويح-، زجرهم وعرَّفهم أنَّ ذلك خلاف السنَّة، فتركوه واجتمعوا لأنفسهم، وقدَّموا بعضهم، فبعث إليهم ابنه الحسن (عليه السلام )، فدخل عليهم المسجد، ومعه الدِرَّة (التي يُضرَبُ بها)، فلمَّا رأوه تبادروا الأبوابَ وصاحوا: وا عمراه.
المصدر: (شرح نهج البلاغة 12/283)
وَ رَوى عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ، قَالَ:
خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السَّلام):
” … إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى الله عليه وآله) يَقُولُ :
كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَبَسَتْكُمْ فِتْنَةٌ يَرْبُو فِيهَا الصَّغِيرُ وَيَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ، يَجْرِي النَّاسُ عَلَيْهَا وَيَتَّخِذُونَهَا سُنَّةً، فَإِذَا غُيِّرَ مِنْهَا شَيءٌ، قِيلَ قَدْ غُيِّرَتِ السُّنَّةُ، وَقَدْ أَتَى النَّاسُ مُنْكَرًا، ثُمَّ تَشْتَدُّ الْبَلِيَّةُ، وَ تُسْبَى الذُّرِّيَّةُ، وَ تَدُقُّهُمُ الْفِتْنَةُ كَمَا تَدُقُّ النَّارُ الْحَطَبَ، وَ كَمَا تَدُقُّ الرَّحَى بِثِفَالِهَا، وَيَتَفَقَّهُونَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَيَتَعَلَّمُونَ لِغَيْرِ الْعَمَلِ، وَيَطْلُبُونَ الدُّنْيَا بِأَعْمَالِ الْآخِرَةِ .
ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَخَاصَّتِهِ وَشِيعَتِهِ فَقَالَ :
قَدْ عَمِلَتِ الْوُلَاةُ قَبْلِي أَعْمَالًا خَالَفُوا فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ (صلَّى الله عليه وآله) مُتَعَمِّدِينَ لِخِلَافِهِ، نَاقِضِينَ لِعَهْدِهِ، مُغَيِّرِينِ لِسُنَّتِهِ، وَلَوْ حَمَلْتُ النَّاسَ عَلَى تَرْكِهَا وَ حَوَّلْتُهَا إِلَى مَوَاضِعِهَا، وَإِلَى مَا كَانَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ (صلَّى الله عليه وآله) لَتَفَرَّقَ عَنِّي جُنْدِي حَتَّى أَبْقَى وَحْدِي، أَوْ قَلِيلٌ مِنْ شِيعَتِيَ الَّذِينَ عَرَفُوا فَضْلِي وَفَرْضَ إِمَامَتِي مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ (صلَّى الله عليه وآله) .
أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَمَرْتُ بِمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ (عليه السَّلام) فَرَدَدْتُهُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ (صلَّى الله عليه وآله)، وَرَدَدْتُ فَدَكًا إِلَى وَرَثَةِ فَاطِمَةَ (عليها السلام)، وَ رَدَدْتُ صَاعَ رَسُولِ اللَّهِ (صلَّى الله عليه وآله) كَمَا كَانَ، وَأَمْضَيْتُ قَطَائِعَ أَقْطَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ (صلَّى الله عليه وآله) لِأَقْوَامٍ لَمْ تُمْضَ لَهُمْ وَلَمْ تُنْفَذْ، وَ رَدَدْتُ دَارَ جَعْفَرٍ إِلَى وَرَثَتِهِ وَهَدَمْتُهَا مِنَ الْمَسْجِدِ، وَرَدَدْتُ قَضَايَا مِنَ الْجَوْرِ قُضِيَ بِهَا، وَنَزَعْتُ نِسَاءً تَحْتَ رِجَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فَرَدَدْتُهُنَّ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ، وَاسْتَقْبَلْتُ بِهِنَّ الْحُكْمَ فِي الْفُرُوجِ وَالْأَحْكَامِ، وَسَبَيْتُ ذَرَارِيَّ بَنِي تَغْلِبَ، وَرَدَدْتُ مَا قُسِمَ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ، وَمَحَوْتُ دَوَاوِينَ الْعَطَايَا وَأَعْطَيْتُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلَّى الله عليه وآله) يُعْطِي بِالسَّوِيَّةِ وَلَمْ أَجْعَلْهَا دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ، وَأَلْقَيْتُ الْمَسَاحَةَ، وَسَوَّيْتُ بَيْنَ الْمَنَاكِحِ، وَأَنْفَذْتُ خُمُسَ الرَّسُولِ كَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزّ وَجَلَّ وَفَرَضَهُ، وَرَدَدْتُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ (صلَّى الله عليه وآله) إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَسَدَدْتُ مَا فُتِحَ فِيهِ مِنَ الْأَبْوَابِ، وَفَتَحْتُ مَا سُدَّ مِنْهُ، وَحَرَّمْتُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَحَدَدْتُ عَلَى النَّبِيذِ، وَأَمَرْتُ بِإِحْلَالِ الْمُتْعَتَيْنِ، وَأَمَرْتُ بِالتَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَائِزِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ، وَأَلْزَمْتُ النَّاسَ الْجَهْرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَأَخْرَجْتُ مَنْ أُدْخِلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه و آله) فِي مَسْجِدِهِ مِمَّنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلَّى الله عليه وآله) أَخْرَجَهُ، وَأَدْخَلْتُ مَنْ أُخْرِجَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ (صلَّى الله عليه وآله) مِمَّنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلَّى الله عليه وآله) أَدْخَلَهُ، وَحَمَلْتُ النَّاسَ عَلَى حُكْمِ الْقُرْآنِ وَعَلَى الطَّلَاقِ عَلَى السُّنَّةِ، وَأَخَذْتُ الصَّدَقَاتِ عَلَى أَصْنَافِهَا وَحُدُودِهَا، وَرَدَدْتُ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ وَالصَّلَاةَ إِلَى مَوَاقِيتِهَا وَشَرَائِعِهَا وَمَوَاضِعِهَا، وَرَدَدْتُ أَهْلَ نَجْرَانَ إِلَى مَوَاضِعِهِمْ، وَرَدَدْتُ سَبَايَا فَارِسَ وَسَائِرِ الْأُمَمِ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ (صلى الله عليه و آله)، إِذاً لَتَفَرَّقُوا عَنِّي !
وَاللَّهِ لَقَدْ أَمَرْتُ النَّاسَ أَنْ لَا يَجْتَمِعُوا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَّا فِي فَرِيضَةٍ، وَأَعْلَمْتُهُمْ أَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ فِي النَّوَافِلِ بِدْعَةٌ، فَتَنَادَى بَعْضُ أَهْلِ عَسْكَرِي مِمَّنْ يُقَاتِلُ مَعِي: يَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ غُيِّرَتْ سُنَّةُ عُمَرَ، يَنْهَانَا عَنِ الصَّلَاةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ تَطَوُّعًا، وَلَقَدْ خِفْتُ أَنْ يَثُورُوا فِي نَاحِيَةِ جَانِبِ عَسْكَرِي، مَا لَقِيتُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الْفُرْقَةِ وَطَاعَةِ أَئِمَّةِ الضَّلَالَةِ وَالدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ، وَأَعْطَيْتُ مِنْ ذَلِكَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى الَّذِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: ﴿إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾، فَنَحْنُ وَاللَّهِ عَنَى بِذِي الْقُرْبَى الَّذِي قَرَنَنَا اللَّهُ بِنَفْسِهِ وَبِرَسُولِهِ (صلَّى الله عليه وآله)، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ فِينَا خَاصَّةً، ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾، فِي ظُلْمِ آلِ مُحَمَّدٍ، إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ لِمَنْ ظَلَمَهُمْ رَحْمَةً مِنْهُ لَنَا وَغِنًى أَغْنَانَا اللَّهُ بِهِ وَوَصَّى بِهِ نَبِيَّهُ (صلَّى الله عليه وآله)، وَلَمْ يَجْعَلْ لَنَا فِي سَهْمِ الصَّدَقَةِ نَصِيبًا أَكْرَمَ اللَّهُ رَسُولَهُ (صلَّى الله عليه وآله)، وَأَكْرَمَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ أَنْ يُطْعِمَنَا مِنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ، فَكَذَّبُوا اللَّهَ وَكَذَّبُوا رَسُولَهُ، وَجَحَدُوا كِتَابَ اللَّهِ النَّاطِقَ بِحَقِّنَا، وَمَنَعُونَا فَرْضًا فَرَضَهُ اللَّهُ لَنَا، مَا لَقِيَ أَهْلُ بَيْتِ نَبِيٍّ مِنْ أُمَّتِهِ مَا لَقِينَا بَعْدَ نَبِيِّنَا (صلَّى الله عليه وآله)، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ “.
المصدر: (الكافي 8/58)
السيد محمد علي العلوي
11 محرَّم 1438 هجريّة
13 أكتوبر ميلادية