تطور المباني الفكرية للتشيع في القرون الثلاثة الأولى

بواسطة Admin
0 تعليق

 تطور المباني الفكرية للتشيع في القرون الثلاثة الأولى

قراءة في كتاب:

تطور المباني الفكرية للتشيع في القرون الثلاثة الأولى

المؤلف: الدكتور حسين المدرسي الطباطبائي
ترجمة: الدكتور فخري مشكور
مراجعة وتحقيق: حسن محمَّد سليمان

الطبعة الأولى ٢٠١٥م
عدد الصفحات ٢٦٤
نشر وتوزيع: شركة العارف للأعمال/ العارف للمطبوعات
………………

يُرجِعُ الكاتبُ البناء الشيعي من حيث الوجود بقاءً واستمرارًا إلى أمرين متوازيين في خطِّهما الزمني وإن تقدَّم فيه أحدُهما على الآخر، وهما:

١/ الإمامة عند الشيعة مفهومًا وطبيعةً ومصداقًا.
٢/ الإمامة كعقيدة أصلية في قبال المدارس الإسلامية الأخرى.

أمَّا في الأوَّل فيوثِّق الكاتب توثيقًا إرجاعيًا حُقب الصراعات في داخل البيت الشيعي على مسألة الإمامة وتحديد مصداقها الخارجي، كما ويُظهر حالة من الخفاء الشديد أثَّر بشكل مباشر على القدرة التشخيصية عند أكابر علماء الشيعة، فلم يخلو عهد من مثل هذه النزاعات الداخلية بين قائل بكون الإمام الراحل هو المهدي المنتظر الذي غاب ويُنتظر ظهوره، وبين آخر يقول بإمامة أخ الإمام أو ابنه من دون نص، أو حتَّى بإمامة عض وكلائه.

بحسب تتبعي لهذا الأمر بدايةً من النص النبوي الأوَّل على أمير المؤمنين (عليه السلام) وصولًا إلى نص أبي محمَّد العسكري (عليه السلام) على ولده (عجل اللهم فرجه الشريف) وقفتُ على مجموعة من العناوين أظهرت لي عقلية استراتيجية غاية في الدقة تميَّزت بها الإدارة الإسلامية العليا والمتمثلة في أهل بيت العصمة (عليهم السلام) ومعهم أخص خواصهم، وقد روعيت على طول الخط مجموعة من الوجودات الواقعية التي لو أُهمِلتْ لما بقي لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) من وجود، ومنها: الغرور المستحكم في العمق الثقافي للمجتمع مما أدى في بادئ الأمر إلى الانقلاب على وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد انقلاب يوم أحد. فتأمل جيدًا.
ومنها بطش السلطة الحاكمة واستعدادها التام للقضاء الإعدامي للتشيع وكل ما يتصل به عينًا كان أو أثرًا.

لهذا وغيره، اقتضت الحكمة التعامل بدقة فائقة مع الحقائق ومستويات إظهارها، وبالفعل كانت مرحلة حرجة انتهت في أواخرها بأن اتَّهم كبارٌ من الشيعة الإمامَ الحسن العسكري (عليه السلام) بالجهل.. وأكثر!

ثُمَّ أنَّ الكاتب يُظهر الفضل العظيم للأصلاء من محدِّثي الشيعة الذين استلموا زمام المرحلة بجمعهم الحديث وتدوينه في زمن الغيبة الصغرى وحتَّى القرن الخامس الهجري، ويأتي على رأس القائمة ثقة الإسلام الشيخ الكليني (قُدِّس سرُّه) وابن بابويه القمي (قُدِّس سرُّه)، فقد أجرى الله تعالى على أيدي هؤلاء البررة حكمة المرحلة، فظهر ما كان خافيًا وأُبرِز ما كان مستورًا، فاستقام الحال وارتفع المقام.

وأمَّا في الثاني فقد أوضح المؤلف حجم التحديات التي واجهها الشيعة وخصوصًا في مسألة الإمامة، وقد اشتدت هذه التحديات مع بدايات الدولة العبَّاسية وانتشار الترجمات لكتب الفلسفة وما نحوها، مما دفع لتشكل مدارس كلامية تحملت مسؤولية الدفاع عن العقائد الإسلامية، وبطبيعة الحال فقد أثرت هذه الحركة بشكل مباشر في التوجه العلمي الشيعي، وهذا ما تحمَّل مسؤوليته الإمام الصادق (عليه السلام) وفتح الباب أمام تلامذته لتأسيس مدارس كلامية ترجع في أصولها للفكر الإمامي الأصيل.

واستمر البناء الكلامي الشيعي في مرحلة متَّصلة حتى وصل إلى أبي جعفر بن قِبَة في أواخر القرن الثالث فنهض به عاليًا في مؤلفات ومناظرات ومكاتبات.

وهكذا دخل التشيع مرحلة الاكتمال المعرفي بتدرج راعى مختلف الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها.

* في نظري أنَّ الكتاب وبالرغم من اشتماله على كمِّ ونوع هائل من المعلومات المهمَّة جدًّا، إلَّا أنَّه انتقل منها وبشكل مباشر إلى تقرير ما انتهى هو إليه من نتائج، دون أن يُطلع القارئ على منهجه الاستدلالي وطريقة المقارنات التي اتَّبعها، وهذا قد يُعرِّض القارئ إلى مطبات خطيرة ما لم يكن محيطًا بالمادة العلمية أو أن ينطلق من هذا الكتاب في تتبعات منهجية ليقف على الأمور مُشرِفًا ماكِنًا.

كما وعندي ملاحظة على عنوان الكتاب، فقد كان الأجدر، بل الأصح -في تصوري- أن يكون (مراحل وضوح المباني الفكرية للتشيع في القرون الثلاثة الأولى)؛ إذ أنَّ المباني الاجتهادية قد تكون قابلة للتطور، ولكن الأصول العقائدية ثابتة، ولم يكن أمرها أكثر من مراحل وضوح بالنظر إلى القابل.

لو أنَّ الكتاب راعى هذين الأمرين لما ترددتُ في إعطائه خمس نقاط كاملة، ولكنَّني والحال هذه، أعطيه ثلاث نقاط.

السيد محمَّد علي العلوي
17 جمادى الأولى 1437 هجرية

26 فبراير 2016 ميلادية

 

http://www.goodreads.com/review/show/1541810981

 

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.