مقالات عاشوراء
يمثّل عصر الأئمة (ع) الامتداد للخلافة الإلهية على وجه الأرض بعد رسول الله (ص) تكوينيًا وتشريعيًا، فامتدّت هذه الفترة حتى انتهاء الغيبة الصغرى، وذلك عبر التوقيعات التي كان يصدرها الإمام المنتظر -عجّل الله فرجه- للسفراء الأربعة، فيكون زمن التشريع توقّف مع بداية الغيبة الكبرى في العام ٣٢٩ بالسنوات الهجرية.
وعليه تمثّل العترة الطاهرة المرجع للمؤمنين في كلِّ أمورهم، خصوصًا الأحكام الشرعية، والتي هي من عند الله تعالى ورسوله (ص)، فلا تختص فترة أحدٍ من الأئمة (ع) بتقديم قوله وتقريره دون غيره، بل لا بدّ من مراجعة كلِّ الأحاديث الواردة التي تخص المسألة من زمن رسول الله (ص) حتى الإمام القائم (ع) بالإضافة لكتاب الله العزيز، وفي استنباط الحكم بعد ذلك تفاصيل ليس هذا محلّها.
من أبرز الفترات التي أُتيح للأئمة (ع) العمل فيها هي فترة الإمامين الصادقَين؛ أعني الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام، ودونك مراجعة كتبنا الحديثية لتجد الكمَّ الهائل مما ورد عنهما (ع)، فكانت مرحلةً مهمّةً جدًا في شتى المجالات العلمية والمعرفية في التاريخ الإسلامي، وذلك بسبب فترة الفراغ السياسي التي تم استثمارها على أكمل وجهٍ من قبلهما ومن قبل الأصحاب في التأسيس والبناء، فيما نجد معاناةً كبيرةً عانى منها أغلب الأئمة (ع)، وسيّد الشهداء الإمام الحسين (ع) كان ممّن عانى من فترة صعبة حتى قُتل في كربلاء بعد أن اضطر للخروج من المدينة المنورة ومكة المكرمة متوجها للعراق، فلم يجد متسعًا كافيًا لأداء ما قام به الإمامان الصادقان (ع).
نعم، لعب كلُّ إمامً عدة أدوار دون شك، واختلفت بعض الأدوار في ظهورها وخفائها بحسب الظروف المحيطة، وبحسب ما تتطلّبه المرحلة من الإمام (ع) في زمنه، فالمسألة ليست مسألة الآن بل هي مسألة كلِّ التاريخ الحاضر والمستقبل.
بالنظر إلى المدَّة المذكورة نجد أنفسنا أمام آلاف الروايات التي تحوي المحكم والمتشابه، والعامَّ والخاصَّ، والمطلق والمقيد، وغير ذلك، بالإضافة إلى الروايات التي صدرت على نحو التقيَّة، وبالنظر لأهمية كلِّ رواية دون استثناء تكون الحاجة ملِّحةً للفهم الصحيح، لمعرفة مداليل الروايات كلُّ واحدةٍ على حدة، وعلى نحو المجموع، بالإضافة لفهمها على النحو المنظومي، وغير ذلك مما يقتضيه الحال. ومن الواضح أن الغالبية العظمى من الناس ليس لها القدرة على ذلك، لا لقلة فهمها أو ضعفها، لكن للحاجة لعلومٍ ومقدماتٍ عديدة يبتني عليها الفهم الصحيح، بما يقود لإصابة الواقع أو الاقتراب منه، وهو ليس متيسرٌ لكلِّ الناس كما هو المشاهد.
في حال غياب الإمام كما هو الحال اليوم، لا بدّ من جهةٍ يرجع إليها المكلف ليتمكن من أداء التكليف، وهو ما نص عليه الأئمة في موارد وأشاروا إليه في غيرها، خصوصًا في فترة التمهيد للغيبة الصغرى ثم الكبرى، أي في زمن الإماميين العسكريين ثم الإمام المنتظر (ع) في غيبته الصغرى، فجاء الأمر بالرجوع للعدول من العلماء ورواة الحديث، فليس رجوعنا للفقهاء الجامعين للشرائط ببدعةٍ ابتدعناها واتبعنا فيها أهواءنا.
ورد عن الإمام المنتظر (ع): “أمَّا ظهور الفرج فإنَّه إلى الله وكذب الوقّاتون ، وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حُجَّتي عليكم وأنا حِجَّة الله”.[الدرة الباهرة].
ممّا تقدّم يتضح أن المطلوب من المؤمنين هو العمل وفق ما يقوله المرجع العادل الجامع للشرائط، فلا يصح أن أقول أن الإمام الحسين (ع) مرجعي وحده، أو أن أمير المؤمنين (ع) مرجعي دون باقي الأئمة، بل هم جميعًا مرجعنا لا نستغني عن أحدٍ منهم، ولا نترك قولًا أو تقريرًا أو فعلًا منهم دون أخذه في الاعتبار.
من هنا أقول أن بعض المؤمنين الذين يقولون أن الحسين (ع) مرجعنا ينبغي أن يلتفتوا جيدًا فقد تكون -كما يبدو لي- مكيدةً من مكائد الشيطان، فلا يصح الأخذ من إمامٍ دون آخر فيغدوا الدين مشوَّهًا، ولا يصح الوقوف عند إمام دون آخر فنكون كالواقفية الذين وقفوا على الإمام الكاظم (ع) فنقع في مشكلةٍ عقديَّةٍ لا نخرج منها، فيتعين أن العترة الطاهرة بعد الرسول وبضميمة القرآن الكريم هي مرجعنا جميعًا، والعلماء هم الطريق لفهم هذه المنظومة المتكاملة بأمر من الأئمة (ع) وخير الخلق رسول الله (ص).
حذارِ حذارِ من الوقوع في مكائد ومصائد الشيطان الذي لا يترك خيطًا إلا تمسّك به، فلا يكتفي بموارد المعصية بل يتعداها إلى موارد البِرِّ والطاعة، فلا ينبغي أن نترك له مجالًا في لحظة هوى أو حميَّةٍ أو عصبيَّةٍ، فنُصبح بعد ذلك على ما فعلنا نادمين.
محمود سهلان
٢٣ ذو الحجة ١٤٣٩هـ
٤ سبتمبر ٢٠١٨م
قرية العكر – البحرين