يتفق الشيعة الإمامية على أنَّ العترة الطاهرة حديثًا وفعلًا وتقريرًا عِدلٌ للقرآن الكريم، وقد وردت الأحاديث المبينة لفضلها من جهة كونها المُفسِّرة للكتاب العزيز بالكشف عن غوامضه وإزالة مبهماته، ومن هنا فإنَّ مما أراه هو ضرورة الانفتاح على كتب الحديث المعتبرة كطريق أصيل لفهم القرآن واستيعاب مفاهيمه، وهذا ما جرى عليه علماء التفسير من المذهب الإمامي في مختلف مصنفاتهم التفسيرية وعلى سعة مشاربهم، فمن حيث التأسيس والمنطلق الحديثي في تناول الآيات القرآنية يتساوى الروائي والفلسفي والتجزيئي والموضوعي وغيرهم من المفسرين، هذا وإن ظهرت اختلافات فهي في الصياغة وطرح الفكرة، وإلَّا فهذه السعة تبقى في الإطار العام لمحور الرواية، وهذا أمر ينبغي التنبه إليه في مقام المفاضلة بين تفسير وآخر.
إنَّه وبالرغم من الأهمية البالغة للحديث في صياغة أصول الثقافة وأسس الفكر للمجتمع المتدين، غير أنَّنا وفي مقام إحياء وتحريك الحديث في حياتنا نعاني مشكلة عظيمة، وهي ضعف القدرة عن تشكيل عقلية قادرة على استيعاب منظومة الفكر العتروي بشكل واضح متزن، وبسبب هذا الضعف فإنَّنا نقف على تضادات صريحة بين التيارات الفكرية الشيعية، وقد أنتج هذا التصاد حالة من التنافر وإرادة طرد الآخر؛ والدافع هو المحافظة على الدين واستقامة فهمه!
ترتبت على هذه الحالة حالةٌ أخرى غاية في الخطورة، وهي الخوف من طرح الأحاديث الناقضة لثقافة قائمة تستند أيضًا لأحاديث عن أهل البيت (عليهم السلام)، وقد يبدو الأمر مربكًا للوهلة الأولى؛ إذا كيف لحديث ينقض حديثًا آخر، والحال أنَّ جهة الصدور واحدة ومعصومة؟!
إنَّ لمجموع الأحاديث جو محكم تتكامل فيه، وهذا ما يضع قدم الباحث على طريق النظر في مبحث التعارض ومحلُّه علم أصول الفقه، وفيه الإنتهاء إلى حمل الخاص على العام والمطلق على المقيد، والترجيح بحسب الملاكات، وما نحو ذلك من قواعد علمية تستند إلى أحاديث معصومة وأصول عقلية وعقائدية ثابتة، ولكن الإعضال في المشكلة لا يتوفف عند هذا الحد، فهناك عقليات تستند في رؤاها إلى طائفة خاصة من الروايات، لا إيمانًا بها، ولكن لتبرير ما هي عليه من ثقافة خاصة، وهذه العقليات تمارس كلَّ ما يمكنها لمصلحة نفي الطوائف الأخرى مطلقًا، وتحصر الآخر في زاوية الخوف من مجرد طرح رؤية تخالف ما هي عليه، وبسبب هذه الظاهرة الثقافية المعضلة أصبحنا في تديننا نمشي بعين واحدة حولت الدين لمطية تركبها الأهواء الثقافقة ركوب استغلال وشرعنة.
من يريد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يأتي بنصوص تؤيده، ويغمض عن نصوص تقيد وتقنن مراده، وكذا من ينادي للثورة على الظالم، ومثله من يتبنى مهادنة الجائر، وقس على ذلك لتقف على حجم الظلم الثقافي الذي نمارسه على الإسلام.
قد يطلب القارئ العزيز شيئًا من الأمثلة لتوضيح المقصد، ولكنني أعتذر بشدة، فذكر المثال يعني وبشكل مباشر ترك الموضوع والإنشغال بالتهمة وألوانها!
هكذا نحن، أو هكذا أصبحنا نجر الدين حيثما نريد، ولو أنَّنا نأتم به لما اختلفنا اختلاف تخالف ونقض، وكأنِّي بمشاهد تحكي حديث حديث الإمام الحسن (عليه السلام)، إذ يقول:
“لا يكون هذا الأمر الذي تنتظرون حتى يبرأ بعضكم من بعض ويلعن بعضكم بعضًا ويتفل بعضكم في وجه بعض وحتى يشهد بعضكم بالكفر على بعض“.
لماذا كل هذا؟
لأنَّنا جعلنا الثقلين وراء ظهورنا، نجرهما حيث نشاء، ولو أنَّنا نتبعهما لوقفنا على تمام الصورة، ولما احترنا في أمرنا كما هو الواقع اليوم.
السيد محمَّد علي العلوي
27 شوَّال 1437 هجرية
30 يوليو 2016 ميلاديَّة