تباينت النظريات الاجتماعية في بحث الطبقية حدَّ القول في بعضها بطبيعية الطبقية بين شرائح المجتمع، وفي بعضها الآخر الإصرار على ضرورة نفيها تمامًا.
ما ألاحظه أمرًا مختلفًا..
قبل ثلاثين سنة.. عندما يذهب رجل أو تذهب إمرأة للحلاقة أو تصفيف الشعر عند أحد الصالونات (الراقية) في فندق من فنادق الخمس نجوم، فإننا نتمكن من تخمين اسم العائلة التي ينتمي أو تنتمي إليها؛ فمثل هذه المحلات لا يقصدها، بل لا يعرفها إلا أبناء طبقة اجتماعية معروفة، ولم يكن هذا الأمر ليسبب ضيقًا أو حرجًا لأحد على الإطلاق.
عندما لا يذهب واحدٌ إلى مثل هذه المحلات فالسبب أنها ليست من أجوائه، وهذا أمر طبيعي جدًا ومقدمة لتناغم صحيح بين المحطات الثقافية في شخصية الفرد، ولو أنه يعيش مستواه في البيت والحي ثم ينتقل عصرًا أو ليلًا لحياة أخرى في مقهى أو ما شابه من تلك التي تعتبر جزءًا من ثقافة طبقة أخرى، فهو في الواقع يعرض نفسه لتمزق ثقافي مثل التمزق العضلي الذي يصيب الرياضيين، وهذا تمامًا ما يعيشه المجتمع اليوم حيث ضعف الهوية وسُكر الأصالة!
ليست القضية قضية مالٍ أو لبسٍ أو طريقة معينة في المشي والجلوس، والحق أن كل هذه مظهرات للطبيعة الثقافية للإنسان، فالأصل الثقافة أولًا وأخيرًا..
لعب الممثل المصري القديم (أحمد مظهر) في بعض أفلامه دور الرجل الأرستقراطي الغني الذي يتعرض إلى نكسة مالية حادة جدًا اضطرته إلى أن ينزل في الشارع ليبيع الخضار، واللطيف في الأمر أنه حمل ثمرة (الفجل) بيده وأخذ ينادي على المارة: “فجل يا كلاب.. فجل يا حوش”!!
عجز (أحمد مظهر) عن التخلص من أرستقراطيته، فهو في الواقع ابن ذاك المجتمع، ومحاولته الاندماج في مجتمع مغاير لن يكون سهلًا أبدًا، وهذا إن لم يصل إلى حد الاستحالة.
وبالمثل فإن انعكاس المعادلة يأتي بنفس النتائج؛ والسبب هو حالة التمزق الثقافي كذاك الذي أصاب الغراب عندما أراد تقليد الحمامة في مشيتها، فكان أن فشل في تقليدها ونسي مشيته، ولو أنه احترم نفسه وقدرها لأحبها وما قَبِلَ أن يتنازل عنها لصالح (غيره) وليس مجرد (غيرها).
أريد هنا الإشارة إلى مشهد آخر من مشاهد الموضوع..
تابعت بعض مباريات كأس العالم الأخيرة المقامة في البرازيل، وبكل أمانة أنني لم أجد في منتخب البرازيل برازيلًا، ولا وجدت ألمانيا في منتخبها ولا الأرجنتين ولا هولندا ولا فرنسا..
وجدتُ منتخبات تلعب بنفس الطريقة المملة، ولا مائز بين أحدها والآخر غير الروحية و(الحظ)!
بالضبط تمامًا.. فإنك اليوم تشتاق لما يميز ابن القرية عن غيره، بل وأكثر من ذلك أن الشوق يزداد لأجواء القرية وأجواء المدينة أيضًا، ولكن الذي يحدث أننا فقدنا الكثير من الفواصل الجميلة حتى تداخلت الكلمات والسطور فلا تعرفه إن كان مقالًا أو بحثًا أو قصةً..
لا نرى أكثر من كلمات بلا معالم..
ويشتد التمزق.
السيد محمد علي العلوي
17 من شهر رمضان 1435 هجرية
14 يوليو 2014 ميلادية