“عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام): أن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) دخل يومًا إلى الحسن (عليه السلام)، فلما نظر إليه بكى، فقال له: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال: أبكى لما يصنع بك.
فقال له الحسن (عليه السلام): إن الذي يؤتى إلي سم يدس إلي فاقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل، يدعون أنهم من أمة جدنا محمد (صلى الله عليه وآله)، وينتحلون دين الإسلام، فيجتمعون على قتلك، وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك، فعندها تحل ببني أمية اللعنة، وتمطر السماء رمادًا ودمًا، ويبكي عليك كُلُّ شئ حتى الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار”[1].
كثير منَّا عاصر ما جرى في صبرا وشاتيلا على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان (1982)، لقد كانت مذبحة تاريخية تذهل من شراستها حتى العجماوات، كما وأن كوسوفو ليست ببعيدة عنّا، هذا والكثير من المجازر ارتكبها الإنسان ضد الإنسان على مر التاريخ.. فهل واقعة الطف منها؟
إنني –كشخص- أرفض إجراء مقارنة بين كربلاء وغيرها على مستوى الحدث العنفي من قتل وذبح ونحر وسلب، وفي تصوري أن مثل هذه المقارنات لا ترقى إلى عشر معشار قضية شاء الله تعالى لها أن تكون مفصلًا فاصلًا في حركة التاريخ الإنساني، فكربلاء ليست ما جرى من مذبحة وفقط، أي أن المذبحة لا ينظر إليها منفصلة عن موضوعها الأساسي وهو.. الله تعالى..
نعم الله عز وجل في الحسين (عليه السلام) على اعتباره الخليفة التكويني له جل في علاه وتبارك شأنه، فالحسين ومن قبله الحسن وعلي والرسول الأكرم، ومن بعده الأئمة التسعة من ولده (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) إنما هم وجود إلهي حققه البعد التكويني الدقيق الذي نفهمه عميقًا من جملة آيات قرآنية عظيمة، منها قوله تعالى (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) فالله عز وجل لم يذهب الرجس (منهم)، ولكنه أذهبه (عنهم)، وفرق بين (من) و(عن)، والنتيجة أن الرجس وبمختلف مستوياته لم يدخل في ذواتهم قط، أي أن تطهيرهم تطهيرًا تكوينيًا يدل عليه أيضًا مطلق (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).
ومنها قوله عز وجل (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)، وهنا يعطف المولى جل شأنه ولاية الرسول (صلى الله عليه وآله) والذين آمنوا (عليهم السلام) على ولايته، وهذا يمنع قطعًا أن تكون الولاية لغير المعصوم، وإلا فكيف يمكن أن يعطفها الحكيم على ولايته المطلقة؟
لم يكن في كربلاء تعدِّيًا على الحسين (عليه السلام) كشخص له خصائصه التي يتفرد بها عن غيره كما هو بين سائر الناس، ولكن كربلاء كانت جرأة مباشرة ومقصودة ومتعمدة ومخطط لها مع سبق الإصرار والترصد على الله سبحانه وتعالى، ولا مجال لتوجيه غير هذا، ولأن الحقد كان حقدًا على الحق الإلهي فإنهم لم يكتفوا بقتل الحسين (عليه السلام)، بل تجاوزوا كلَّ مُتَعَقَّلٍ وعمدوا إلى تمزيق جسده الشريف بعد أن قتلوا رضيعه من الوريد إلى الوريد، ولم تُشْفِ صدورَهم رؤوسٌ تطايرت وعيونٌ سالت وأدمغةٌ تفجرت، لا ولم يصيبوا ذلك حتى بسلب العمامة والرداء عن الحسين (عليه السلام) ، وسبي حريمه وسوقهم إلى الشام والسياط تتلوى على ظهور الأطفال والنساء.. ولن تهدأ ثوراتهم الإبليسية الحاقدة..
لن تهدأ؛ فتألهية الحسين (عليه السلام) لم ولن تتوقف، بل هي متكررة في تسعة من ولده كان آخرهم هو الذي وقعت عليه مشيئة الله تعالى فحجب عن الأبصار ليبقى رحمة تصب على قلوب المؤمنين وكابوسًا مزلزلًا يضج مضاجع الظالمين..
(لا يوم كيومك يا أبا عبد الله).. نعم، فالقضية قضية معرفية خالصة، محورها قول قرآني بليغ هو (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)، وما كان ذلك إلا لأنهم لا يتمكنون من إدراك الله عز وجل، وإلا لأعلنوا الإرادة على قتله!!
نعم، هكذا هم وهكذا هي نفسياتهم المتعفنة النجسة لا تتوقف عن محاربة الله جبار السماوات والأرض، ولأنهم لا يدركونه جل في علاه، فإنهم يعمدون إلى نوره في الأرض، وليس هو إلا الأئمة الأطهار من آل محمد (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، وأما اليوم فالحرب معلنة على كل من يعلن عن ولائه للقائم المؤيد والعبد المسدد المهدي بن الحسن صاحب الأمر وبقية الله (روحي لأقدام مقدم خدامه الفداء).
السيد محمد علي العلوي
6 محرم 1434هـ/ 21 نوفمبر 2012م
[1] – الأمالي – الشيخ الصدوق – ص 177 – 178