بسم الله الرحمن الرحيم، وصلَّى الله على محمَّد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
مراجعة على كتاب:
(منطق فهم القرآن/ ج١)
للسيد كمال الحيدري
ربَّما يكون عنوان (منطق فهم القرآن) إبداعًا اصطلاحيًا من الكاتب، ولكنَّه -في تصوري- مصطلح يحتاج إلى بلورة أكثر، فالكاتب في هذا المجلد الأوَّل حاول بجدٍّ وفي ضمن منهج علمي واضح المعالم تقديم صورة مفصَّلة للقرآن الكريم كنور كاشف عن مرادات الله سبحانه وتعالى، وهذه الصورة تتركب من مجموعة قواعد كلية يُرجع إليها المُفسِّرُ الجزئيات المستخرجة من النص القرآني، ولذلك أسماه (منطق فهم القرآن) وقد توزَّع البحث في مجلده الأوَّل على خمسة فصول تحت عنوان (بحوث تمهيدية) تناول فيها الكاتبُ العناوين التالية:
١/ بحوث تمهيدية بيانية.
٢/ بحوث تمهيدية تبينية.
٣/ عمقُ المفردة القرآنية عمقٌ للنص.
٤/ ضوابط أخرى لقراءة النص القرآني.
٥/ وحدة القرآن وترابطه.
استشعر الكاتب مجموعة من المخاطر تهدِّد حاكمية المفاهيم القرآنية، منها النظرة الحداثية، ويرى أنَّ قطع الطريق أمام محاولات صرف القرآن عن مقاصده الأصيلة بدعوى الحداثة والتجديد واجب لا ينبغي التهاون في أدائه.
ولأنَّ مذهب التشيع قائم على الثقلين المقدَّسين، القرآن الكريم والعترة الطاهرة، فقد بين الباحث موقفه من الدور الروائي في العملية التفسيرية، فقال:
١/ الدور للتعليمي للعملية التفسيرية، أي أنَّها (الرواية) تُربِّي وتوجِّه المفسِّر إلى كيفية جريان العملية التفسيرية.
٢/ الدور التطبيقي، فهي (الرواية) ناظرة عادةً إلى وجهٍ تطبيقي للآية، وليست هي مُفسِّرة له، لأنَّ الذي يتكفل بالدور التفسيري للقرآن هو القرآن نفسه.
٣/ الدور التوكيدي لما أسَّسه الفهم القرآني للقرآن، والدور التعميقي لفهم النص، فإنَّها كثيرًا ما تُلفِتُ النظر إلى مراتب معرفية يعسر الوصول إليها بدونها.
فهو يرى أنَّ الرواية تكشف عمق تطبيقيًا أو أكثر، كما في قوله تعالى: (مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان)، فالآية ظاهرة في أنَّ البرزخ المقصود هو الفاصل بين ماءين في بحر واحد، ولكنَّ الرواية تقول بأنَّ البحرين هما عليٌّ وفاطمة (عليهما السلام)، والرزخ بينهما النبوة، فهو يرى أنَّه لا تعارض بين المعنيين، وكل ما في الأمر أنَّ كلًّا منهما يعطي عمقًا تطبيقيًا معينًا.
ومن هنا فإنَّه يرى محورية القرآن المطلقة، وأمَّا الرواية فمدار من مدارات المحور، تدور في فلكه دائمًا.
كما وقد وجَّه الاهتمام لضرورة التفريق بين التفسير والمنهج، فالتفسير هو البيان، وأمَّا المنهج فهو الطريق، ولذلك قد لا يؤدي المنهج إلى عملية تفسيرية، ولكنَّ التفسير لا بدَّ أن يكون بمنهج صحيح.
ثُمَّ أنَّه ركز كثيرًا على أهمية (الرمزية)، وأشار إلى عمق استعمالاتها في القرآن الكريم الذي يرى المعرفة فيه حالةً تكاملية لا يحصل عليها القرآنيُّ إلَّا بالتدرج.
وفي القسم الثاني من هذا المجلد ركَّز الباحثُ على توضيح الضوابط الضرورية لفهم النص القرآني، من قبيل معنى القرينة وأقسامها، ومسألة وحدة السياق، وتأثير التلاوة الصحيحة في الفهم.
كما وتوجَّه لبيان مقاصد التعدد المعنوي ودلالته على وحدة النص، ومن بعد ذلك بحث النقاط المركزية التي يتكئ عليها البناء القرآني، والمعروفة عند أهل الفنِّ بالأوتاد، وقسَّمها إلى أوتاد تفسيرية وأخرى تأويلية.
ليس بالضرورة أن يتَّفق القارئ مع رؤى الباحث كلِّها أو بعضها، ولكنَّ عدم الاتِّفاق هذا لا علاقة له بموضوعية النظر إلى هذا الجهد الكبير والذي يتَّسم بمنهجية منضبطة في صورتها، كما وأنَّ البناء المادي للبحث مترابط متَّسق بلا شك.
السيد محمَّد علي العلوي
4 من جمادى الأولى 1437 هجرية
14 فبراير 2016 ميلادية
http://www.goodreads.com/review/show/1509504407